الأربعاء، 16 مارس 2011

بين الوسع والإتيان


تعبت..وباتت تشك في مستوى الزاد الذي بين جنباتها،والذي شرعت هذا الفصل الدراسي وهي تحمله بقوة منذ ما يقرب من شهر ونصف على ابتداءه ، فبالإضافة الى 18 ساعة دراسية ،تحمّل نفسها أعباءا لم تكن تدرك للحظة انها عن حملها عاجزة ! من مشاريع ودورات تأخذها وتعطيها ،والتزامات ثقافية وفكرية تقرر الخوض فيها ، لتبدأ أشكال المرض والاستنفاذ النفسي والجسدي تجتاحها بعنف !


ربما هي صورة متكررة عن كثيرين ممن يحملون على عاتقهم العمل الاسلامي وبناءه وإخراجه،فتجدهم يسابقون الأيام ويطيرون لتحقيق المستحيل في إطار يعجز الزمن عن تغطيته !
تتعالى الأصوات الموجِّهة لهذه الفئة ب "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها " ولا يجب أن تحمَّل النفس فوق طاقتها ،انطلاقاً من مبدأ رفع الكفاءة والجاهزية للعمل أياً كان نوعه،ويتكؤون على "قليل دائم خير من كثير منقطع "

الوسع أيضا لا يعني العيش ضمن القدرات والأوقات وحسب ، ولكن بالمجالات والتخصصات ،فتجدها تدرس تكنولوجي المعلومات،وتعشق التاريخ وتبحث في سيره،وتدرِّب في التنمية البشرية ،وتسطِّر الابداعات في الأدب،وتحاول جادة أن تشكل لنفسها صورة إعلامية حقيقة ،وتدرِّس الرياضيات وتقرأ في الفلسفة ......... إلخ

وعندما يراها "أولو التنظير " (( أخطأتِ ..لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ! ))



هذه الآية الجليلة التي تأتي في خواتيم سورة البقرة أطول سور القرآن الكريم،يحفظها الكثيرين بل ويجعلونها قاعدة لحياتهم، ولكن نقلّب صفحات المصحف الشريف ، فتحط برحلك في سورة "الطلاق " لتجد .. (( لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها ))

كثيرا ما نمر على هذه الآيات ونقرؤها،لكن سبحان من جعل في تراكيبه وآياته وقْعاً خاصاً للنفس إذا عقدت رباطه مع ترانيم حياتها ..
قد يقول الكثيرون إن الآيتين متشابهتين..لكن الجواب عن السؤال قاعدة (( لا تكرار في القرآن الكريم ))

فتستخدم آية الوسع حجة لدى الكثيرين ممن يحتاجون الى مبرر بسكونهم وضعفهم، ولكن أهل الهمة يرفعون شعار "الإتيان" وهو يعني ان من الوجب معرفة ما آتاك الرحمن لتعمل في إطاره،تكتشف مباشرة أنه بوسعك..
الجميل أن تجمع بين الآتين،وهذا المنهج عند المفسرين ،تعلم ما آتاك،لتكتشف أنه بوسعك !



هي محاولة جادة أقف أمام نفسي بها ،بعد أن أجهدتها ،وحملتها فوق وسعها،ظناَ مني أنني أكتشف ما آتاها..لتصل لمرحلة "الجهْد "الحقيقي الذي تعجز فيها عن مجرد شكوى الألم !!

أسطِّر هذه الكلمات ،وأتذكر الكثير الكثير ممن يقعون في هذا الشَّرَك،والكثيرين ممن حاولوا ثنيي عن هذه المخاطرة في هذا الفصل الدراسي ،ولكنها تجربة رائعة حتى مع أشد اللحظات فيها إنهاكاً .
رائعة لإنها تجعلك تدرك قيمة ذاتك،بوسعها وما آتاها الله ،وتقف بين حدود الضعف من جهة،والهمة من جهة إخرى ،سعياً للموازنة الموضوعية بينهما ،بل واجتهاداً لرفع مستوى كفاءتك.


أعاننا الرحمن جميعا وسدد بالتوفيق خطانا ،وأسألكم براً بالدعاء أن يتمم المولى لي هذه المرحلة ،وأنا على قيد الهمة !



صفاء الزغول
16-3-2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ولتصنع على عيني

صورتي
عالمٌ كبير ذلك الذي أبحرت إليه.. على غير هدى من الله ولا برهان.. من اليمّ إلى الساحل .. بتابوت السؤال ! واشتهت نبوّةً .. لتذوق جمال اليقين ..ولتقرّ عين أمتها فيها ولا تحزن ! حتى استجلبت ذلك الطور الخفيّ .. وصاغتها ... " ولتُصنع على عيني " العصا في يدها هشّةٌ مهترئة.. وأغنامها تبعثرت عند نفخة حياتها الأولى .. " ربااه .. عجّل بي لرضاك.. فلي مآرب عجِلة .. وأتِ بي على قَدّر ..فقد صنعت نفسي لك وحدك ! "