الخميس، 10 نوفمبر 2011

أنا يا عمّي مش مثقف !



من بعد الاستئذان من الثورة || أنا يا عمي مش مثقف ! ||


"يمّا..هي الثقافة بتخلي الواحد ما يعرف أمه ؟؟ بتخليه على طول بغرفته وجهه بوجه القلم والورقة يمّا ؟؟ "


صمتُ كثيراً ولم أعرف كيف أردّ على والدتي ..فكّرت !
"لا والله يمّا ..انا مش مثقف ! "


بئس الثقافة تلك التي تجعل من المرء آلة لا تعمل الا بالقلم والورقة !
بئس الثقافة التي ترفع حواجز المصطلحات المدججة أمام الشيخ العجوز والفقير ..وابن الشوارع !
بئس الثقافة التي تجعل وقتنا اسيراً للكتب ..مع أنّ الحياة أرقى من الفكر !!
بئس الثقافة التي تُخجل المثقف أن يذكّر أصحابه بصيام الأيام الثلاثة البيض من كل شهرِ هجري !
بئس الثقافة التي تمنع المرء من التسكع يوماً كاملاً مع الأهل والجيران !!
بئس الثقافة التي تمنع صاحبها من الخروج في مظاهرةٍ نصرة لله وللإنسان في سوريّا !!!


أيّ ثقافة تلك التي تأتي براحةٍ رغيدة لأصحابها ؟؟!! الكتب متوفرة ..السيارة متوفرة..ثمن الكتب متوفّر .. بس "مشاااااان الله إقرأ ! " 
أي ثقافة تكون إذا كان الكذب شعاراً لصاحبها ؟؟
أي معنىً لثقافة تسمح ب"الغزل العذري الملحق بأخي أو أختي " ؟؟؟


أي ثقافة تجعلنا نستنسخ عقل الكاتب ؟؟ أو حتى عقول المثقفين ؟؟!!
أي ثقافة تلك التي تصنع من أصحابها "حزب المثقفين" ؟؟ 


عن أي ثقافة نتحدّث ؟؟!! تلك التي تجعلنا أسيري مواقع "الرغي" الاجتماعي .. _الا ما رحم ربي_ ؟؟!!


أي ثقافة برجوازية ؟؟ وأيّ نخبوية _فاشلة لا تسمن ولا تغني من جوع _ تلك التي نعيشها ؟؟!
أي ثقافة تلك التي تمنعنا من حسم المواقف بدعوى "حرية الرأي والراي الآخر" أو "الحوار" ؟؟


يبدو أنني أخطأت العنوان تارة أخرى ..هربت من أجواء "الحزبيين" و "الأحزاب" لمنطيتها وقصورها عن الخروج بمشاريع تحاكي الواقع.. لأقع في حزب "اللاحزب" !


لا يا عمّي...بطّلت مثقف !!!
وعلى قولة "أحمد الزعبي" .. " غطّيني يا كرمة العلي...آبيش فايدة... !! " 


وقوموا الى ثورتكم بلا هالرغي المصدّي.. اثابنا وأثابكم الله !


صفاء الزغول
10/11/2011

الثلاثاء، 8 نوفمبر 2011

أناجي سوريّا


  لا زلتُ أتنفس ذلك النسيم العبِق ،لم أستطع لساعة كاملة أن أتحرك من ذلك المكان..هناك يا أم ،أقترب منكِ أكثر ..أستطيع أن أروّي الروح في جسدي المهترئ البالي ..أستطيع أن أمطر..ولكن ..مطر الخوف..القلق..والاعتراف !


الأنفاس أغدقت المكان ..بضع قطرات تروّي ذرات التراب..مختلطة بنشيد السماء.. وحارت الأرض !!
أناجيها من على تلك المرتفعات ،وأرتّل أسفاراً تاريخية ضجّت بالصدر وما حوى ..إلى كم آدمي سينشطر ذلك الكون الذي كنْته في حضرتك ؟؟ وكم زيتونةٍ ستنبت تلك العبرات التي روّتني أو روّت ثراكِ ؟؟ إلى كم قصةٍ سأبعثر حرفي ،بعد أن ابتعدتُ خارج الزمان والمكان حين العناق؟؟ 




أشتاق ذلك الجلوس..وأشتاق تهادي الشمس كحطّة العروس على جبال الجولان وقت الغروب !!
أناجيكِ .. وأدري أن اللغة يا أم، خلقت لتشفي ما يضرّ الفؤاد حبسه، ولكن أضرّني حتى الحرف !!
أناجيكِ ..حين أسرّ لي "أبو عبيدة" نشوته عند أول هبوط له في "درعا" ..حدّثني عن طيب الأهل والولد هناك،وفخرهم ..واعلان انعتاقهم الأبديّ من قبضة المتغطرس "هرقل" !!




حتى هرقل ..أسرّ لي حكاية العشق السرمدي في رحلته من "القدس" الى "حمص"..اختار تلك البلدة المنيعة مقرّاً لقيادة جيوشه ، هو يا أم علّمها الكثير بلا شك.. جعل أزقتها تمتلئ بما لا تشتهي ..فانتفضت ! وانتزعت منه السلام انتزاعاً ..فقال :"سلامٌ عليكِ يا شام ..سلاماً لا لقاء بعده" !


لا شك أن عشقها،وامتلأ بحبها ،ولم يفارقها الا بالدمع ،غير أنها وفيّه ..والمهر الغالي الذي دفعه "ابو عبيدة" وجيوشه أغراها !!
والعروس تهدي نفسها لمن يغامر فدوىً لها !





صوتُ "خالد" لا يزال يصدح في أذني ..وأدري أنكِ تصغين اليه كما يصغي اليه  بنو صهيون كل يوم ..صوته يرتفع مع تسبيح ذرات نهر اليرموك..وصهيل خيله يرتفع ويخبو كالأناشيد.. فيرد على رسالة حمص في ارتفاعه : " أنا لكِ وحدك..أفترش الأرض عهداً ووعداً وشوقاً لملقاكِ !" 


سرعان ما تبتسم المدينة ..وسرعان ما يتراكض الفرسان نحو دلالها ! ابتسامة الأمل على شفتيكِ تصيّرني كالمشتاق على واحة الصحراء ..ينتظر قوائم الشهداء في  الملأ الأعلى ،علّ اسمي يكون أحدها !..فأبلغ منكِ مبلغاً حسناً يا أم !




جفّ الدمع ،وغادرنا الميعاد..ولكن الانتظار يلفّني ،أتسمّر المكان ،أحدّق بكلّ حجر وشجر ..ابحث عن شاهدٍ وشهيد !
العشاق يتسابقون ، وأنتِ تعلمين كم أجيد مناجاة العاشقين ..ولربما أكون أوّل من يموت على المداخل يا أم !
سئمت الأبواب المغلقة..أتعبني الموت الملّون ..لوحته لم تكتمل باسمي بعد !


يناديني الرفاق بعد أن أوقدوا نار السمر أمام تلك الهضاب..لبّيتُ يا أم..والله كفّاً للعتاب لا أكثر ! ..فوجدتُ الأحلام مضاءة في الموقد !!
حتى الضوء يا أم ..لم يكتمل ..نصفه مختبئ خلف السحاب..ونصفه يحرّكه عود ثقابٍ أو شمعةٍ وسط الظلام !!


لا أريد أن أبرح المكان يا أم..أشعر ان الموت يكمن في طريق الإياب ..وما الموت على مداخلكِ الا حياة العاشقين ..فشتّان شتّان بين موتِ الموت..وموْت الوَلَه !


غروب الشمس في الأراضي السورية من ام قيس
لن اقوى على هذا الامتحان يا أم ..تركتُ الكثير من الاختبارات الزائفة على مكتبي في عمّان..ولكن هذا الأصعب ..فهل أموتُ على الأسوار ؟؟ على الحدود المغشوشة؟؟
والدي يجرّني نحو أشكال الحداثة ، نحو سيّارة تكوّنت من أكوام من حطام أحلامي على التخوم !! تحاول قطرات المطر أن تسحر ما بي من يأس..يأسٌ لم يساوني إلا بعد أن أُبعِدتُ قهراً عن أبواب المدينة !


حمص بوابة القدس..ولن تقبل هزيمة..موتُ الموتِ على عتباتها سيكون الأجمل ..ذلك هو موت الخيانة ،أو ارتعاد الفرائص !! تذبحهم يا أماه مفاتنها الكثيرة !


هضبة الجولان من أم قيس
سأعود وأناجيكِ ..وأتّقي في صدركِ كلّ خوف أو وجل ..سيظلّ اسمي حروفاً تشكّل على الطريق علامة!! كلّما دخل رحّالة أرض اليرموك..أرض "أم قيس" سيعرفني ..من نزف الحب هناك !


صفاء الزغول 
8/11/2011

ولتصنع على عيني

صورتي
عالمٌ كبير ذلك الذي أبحرت إليه.. على غير هدى من الله ولا برهان.. من اليمّ إلى الساحل .. بتابوت السؤال ! واشتهت نبوّةً .. لتذوق جمال اليقين ..ولتقرّ عين أمتها فيها ولا تحزن ! حتى استجلبت ذلك الطور الخفيّ .. وصاغتها ... " ولتُصنع على عيني " العصا في يدها هشّةٌ مهترئة.. وأغنامها تبعثرت عند نفخة حياتها الأولى .. " ربااه .. عجّل بي لرضاك.. فلي مآرب عجِلة .. وأتِ بي على قَدّر ..فقد صنعت نفسي لك وحدك ! "