الصورة بدأت تتلاشى،ثوانٍ معدودة..وتغيب !!،بقايا أصوات ما زالت في السَّمع،فقررت أن تغادر المحاضرة لظروف خاصة.تدخل الى "المصلى" وما إن يلامس جسدها الأرض ،حتى يغشى كل شيء سمعها وبصرها إلا من الدنيا !!!!
خارج إطار العالم ، بدأت رحلتها..
"كيف حالك؟ "
" بأحسن حال".. الجواب الطبيعي .
" بخير أيضا.. " إجابة..لم تعبر عن الحقيقة.. فقطرات التعب والعرق تملؤه، ويبدو أن طول الطريق أجهده !!
" أتمنى أن تكون بخير !!"أجابني الصوت المعهود منذ سنين ..(( من يحمل الروح على راحته،لا يُسأل عن سلامته !!))
جرده الهمُّ فهم معنى للراحه،والراحة في قاموسه أن تحتضن الكفن قبل أن تحتضن الوسادة للنوم !!
يعلن حريته..بلا خوف،أو أدنى حساب لأدنى امرئ!!
بمُرّ اليمين بدأ يكتب قصيدته،ويعزف ألحان الاسر الأخيرة،على وتر من دم ونار..يحرق أنامله واحداً واحداً،ويرشق على أسوار جرحه بعضاً من ترياق الكرامة والتضحية..بهدوء،وبصمت عجيب... صمت تسمع دويّه فتنبهر لقوته وجبروته..حقا ( لو تكلم،للفظ النار والدم،ولكن خلق الحق أبكما!! )
" كفى يا صاح! لا تجعل الفؤاد يطير منك ويسبق يومك ، لنفسك عليك حق !! " ببعض من اللهيب الذي لفّ جوانحي صرخت..
ها هو يلتفت _وقلّما يفعلها _ بابتسامة هادئة مجدداً " حياتنا لولا الدم..لغزٌ لا يُفهم معناه !! "
الصمت هو الاستطراد !! فلا شيء يصنع العظمة كالدم في وقتنا هذا ..
أصوات تجتاح المكان (( اتصلوا بالاسعاف، لا خلص هي ابتسام راحت تجيبه ))
ها هي معزوفته،تستكمل ألحانها الأخيرة ،والموت فيه ..وكلِّيَ الفزع !!
يده تخط تاريخاً، صوته يشحذ همم الركب، مقلتاه ترمق النور من بعيد ،وتصفه للعميان.. ولكن الكلّ أكبر من مجموع أجزاءه..لأن نتاج الكل أكبر من حاصل جمع نتاج الأعضاء منه !! فالأثر بعد لا يصل إليه المجموع، إلا من ارتباط الكل !!
قطرات..هل هو ماء من السماء يداعب وجنتي؟؟ أم بعض عبرات أُسيلها على جَهْد ذاته !!
ما زال على قيد الهمة..على قيد الحياة،بتُّ حقيقةً أرقب ساعة استشهاده،حتى ينال هذا الشرف،لكن يبدو أن مفهوم الحياة في سبيل الله أعظم من الموت في سبيله !!
شاعرٌ ..ملحِّن.. ولكن للقصيدة والمعزوفة وقْعٌ آخر.. فأن ترى الدماء تنهمر من الفؤاد..لا كان تقرا مثلاً " الدم ينزف من فؤادي !! "
(( خرج من الإطار البشري،وخروجه يُحمّلُه مسؤولية اختياره،بأن يوجِد طريقة لتدعم روحه وجسده ! ))
أخذت بالتنظير،والناس من حولي في ازدياد..يلتفت إليّ رغم انشغاله وتعبه ،وبابتسامة جديدة " أهلا بالمصفقين لكل منتصر وغالب ! "
هزّني حديثه..تركت "الميكروفونات" التي انتصبت أمامي،وسقطت "الكميرات" أيضاً واختفى الجميع من حولي .. فعدت إليه ،وعاد مشهده أمامي..يصارع الموت..وقد طال طريقه،وطال شقاؤه وتعبه.. " ليس شقاءً بل هو الراحة !! " كسر الصمت الذي التف حولي ..
" يبدو أن في أمركِ ريب يا صديقتي.. ألقِ ببصرك نحو الشرق،نسمات عليلة فتحت أبوابها إليكِ من أعوام.. لكن القصور هو انشغالك بالدم الذي يسيل من جسدي ، مع أن استمرار ترنيمتي نبْعٌ من ذلك الباب الرقيق الذي فُتِح عن يميني !!
العظماء ..لا يستسلمون لما يرون من أسباب مادية يقدمونها لخطب الحسناوات..وإنما نستمد طاقتنا من (الغيب) عند ثقتنا بعون الله وتوفيقه..الحرية دخلت عالمنا يا أخية ..حتى وإن كان الموت فينا..فالحياة تبقى لكم..علامَ تلحقوننا إلى الموت "بفزعكم" ونحن نمدُّ الحياة برونقها ؟! وموتكم لا كموتنا ؟؟!! "
"صفاء ... صفاء ... " وصفعات كثيرة ،ونداءات أكثر "سامعتيني... شكلها مغيبة !! "
ها هو يبتسم ..والبكاء فيّ مجدداً..
فتحت عيني ..دعاء،نور ، سعاد ، تقى ، عبير ، روان ،ابتسام .. و"المصلى " ممتلئ بالطالبات "خير صحيت ؟؟ "
أستجلب بعضا من قوتي ..أحاول إرضاء قدماي والوقوف مجدداً ..
مؤلم !.. الأوجاع تلف جسدي ... لا لأجل المرض ، ولكن ...
" لأنك تكتشف بعد أن تقضي قسما كبيراً من حياتك ، منشغلاً بمتاعب ليست متاعبا!! وهموماً ليست كالهموم !! وخططٍ ونتاجات لا كالخطط والنتاجات !! والموت فيهم ....والفزع فيك !! "
صفاء الزغول
11-3-2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق