ها هو المساء يلقي علي بضفافه لليلة الثالثة على التوالي ، أبقى أسامره تلك الساعات الطويلة ، دون أن يجاور عيني شيء من نعاس ,,وإنما تعب يهز أركاني كاملة ،،ومع هذا كله لا أستطيع أن أغفو بعض الوقت قبل بدء اليوم الجديد ..ها هي الساعة تدق تمام الثانية بعد منتصف الليل ، منقطعة تماما عن البشر جميعهم ، لا أريد سماع كلام إنس فيهم ، ولو كان بيدي لما رأيت وجه أحد منهم .....
البشر لغة أعجزني فهمها,, وهم ذرات لا تلتقي ،تتبعثر في كل اتجاه ،وتنتشر محركه كل من حولها ،والعالم كله يتحرك على وتيرتهم ، وأمتي ويا ألمي على أمتي ، بضع أشلاء حية في بعض البقاع ، أو بقايا عزة وكرامة على هذه البسيطة ،وقد كانت قبل حين سيدة الأمم وشريفتهم ! وإن كان في الهوان لنا مكان ,,فقد امتد نفوذنا في تلك الأصقاع !!
هنا على أنفسنا فهان هواننا على أمتنا !! بت لا أعجب من تلك الجرائم التي تحل بهذه الأمة ،بعد أن رأيت ما يفعله أبنائها بها .. بدا من السهل على أمل هذه الامة أن ينسلخ عن مهماته !! عن فكره وتفكيره وعقله بدا مؤجرا ..وفي ظلمات اللهو غارقون ..
أضحى والله أمرا متعبا علي أن أسير في شوارع الجامعة !! أشعر بأنني في عالم اللاوجود لمن أريد ..
عالم اللاوجود لمن يفهم تراكيب كلماتي ، أو يفسر مقاصد حديثي .. عالم فيه من العجب ما تحدث عنه آلاف القصص والروايات .. عجيب أمره ... وتالله اني احترت فيه !!
يناشد الحرية وهو أول من يأسرها ..ويطلق الكلمات وهو أول من يمحيها .. ويطلب بعث الأصوات في الأفق وهو أول من يخرسها !! وتراه بالظلم محترفا ,,وبسرق العقول فنان ,, دخلت في سنتي الرابعة في رحلة البحث عن المعلم .. وفي كل يوم أجدد همة ونية ، ما وجدته !! قد آخذ ببعض الاقوال والأفكار من الكثيرين ،ولكن سريعا ما تتساقط الصور وتبقى محض خيالات .. بدون حقائق ..
كثيرا ما أسير هائمة على وجهي .. فأجد الطبيعة تتنهد كأنها تنفس عن بعض أكدارها المتراكمة ، أو تحاول أن تجد في الليل كتابا يملي أخبارها ..وقفت أمام نافذتي ,, وبت أتنفس معها ويكأنني قطعة صغيره في حضنها , أشعر بتلك الشروخ فيها ،فهي تلامس شروخ الغربة في فؤادي ,, لن تستطيع أن تنكر يا صاح مدى الغربة التي تحياها الطبيعة في ارضها .. فهي شاهدة العيان على ما بدله البشر ,,وغيروا فيه ثم جحدوا بأصل الصنع وصانعه !! يسألونني عن معنى السعادة فلا أجد لها جوابا سوى ... "طفولة القلب !! " ، أتلهف على أشجار الطفوله ، وما فعلي إن كان قد مضى ربيعها ؟!!
فكرت كثيرا ..وكتبت لأكثر من ساعتين متواصلتين ,,ما إن أنهي السطر حتى ألحقه بماحي الآثار .. ففي الكلمات حروف تغتال المعاني في كثير من الأحيان !!وتسترق التمثل برداء غيرها من الكلمات ، فأضطر مسرعة الى ازالتها عن السطر ،وقد احترفت ذلك بعد أن أزلت أمام الناظرين عن هذه الحياة العجيبة !!
ها هي الساعات تننقضي ، وفي انقضاء الليل جرح جديد ,وابتسامة ،،لا تزال نافذتي مفتوحة أتنفس منها دنيا أخرى ،وعالما آخر ،وموطنا آخر .. ترق السماء أمام ناظري رقة شفقة ،وتتلألأ النجوم ثم تتكبر فتغادر دون أن تلقي على وحدتي السلام ! أما الفضاء فها هو يقبل وينحني أمامي برفق .. " أي بنيتي .. ثقي ، واستجمعي بقايا اليقين في جوانبك ، نعم ..هي الغربة ولا شيء غيرها ... الموطن هنااااااااااااااااااااااااك ..حيث اندثار هذه العوالم وهذه البشرية ... "
لا تزال الكلمات ترن في أذني ، بدت النبرات كقطع الليل رقيقة متناثرة من غمامة شجية ، لكنه أرسل لي أمانيه كما نرسل نحن الصور لأنفسنا في أحلام اليقظة !!
أي والله هي غربة الوطن والأهل والجيران والسكن .. أكرم بجنات النعيم من سكن ووطن وجيران فيه ،جيران رب العالمين وحزبه وحده ,, دار رضوان وهدوء ويقين ، دار صدق بلا كذب ، ونيل بمقصد ، وجزاء احسان باحسان ..لا والله ما تجد فيها عين رأته ،أو أذنا سمعت ما فيها ،أو خاطر قلب بشر هناء يجده فيها ,, للجمال لغة أخرى ،وللاصوات ترانيم جديدة ، وللأصحاب والجيران هناك حب آخر !!
ولا تزال النافذة مفتوحة ،، أشعر بأن غربتي عن تلكم البقاع غربة طويلة ، والزمن فيها لا ينقضي بالساعات ،وإنما يمر من كياني وذاتي ، فيأخذ ببقايا الجسد الذي يصارع الهمة والبذل ،لعمري أيها الليل واسمع مني حديثا قد يكون الأخير ..
(( إن كنت تفهم أني أشكو اليك بثي وحزني ، أو أناجيك بأحلام نفس انسانية ،فتهدي الي الجواب الصامت البريء ثم تطرح اشعة وجب علي تفسير أطيافها ومعانيا ،، فاربأ بنفسك !! فوالله ما عشت لأنزل شكوى في غير موضعها !!
على اعتاب خالقي ومولاي وحده ، أنا إن سجدت ما رفعت رأسي قبل أن أنزل كل حملي في السجود ، وإن دعوت ما أنزلت يدي قبل أن أجد اليقين ، هو لله وبالله وكفى ))
رباه ..
أنت ثقتي وعدتي في غربتي ..ورجاء لي وثقة ، فكم طال البعد والاشتياق ، ووالله ما في هذه الدنيا ألذ من اشتياق العبد لسيده ، ولكن والله طال .. فعجل اللهم قدومي عليك ، ولا تفتني في ديني وقلبي وعقلي ، واستخدمني وضع الدنيا في يدي ، فأضعها مباشرة تحت قدمي !!
سبحانك سبحانك سبحانك !! ..
إن كان الضيق يولد كل هذه الإبداعات ..
ردحذففطوبى لضيق يفجّر صرخات الأقلام ..
أتعلمين أنكِ أبدعت بالوصف ببث الشعور .. وشاركتك تلك الغربة .. وشاركتك بتلك المناجاة
صفاء ... سعيدة بك :)