الجمعة، 1 أبريل 2011

الفلسفة ،وقصة الايمان



أرفع الشراع مجدداً، أحزم أمتعتي..وأحمل المرفأ بين جنبني، فقد لا أجد مرفأً أحط رحلي فيه ،مع هذه الرحلة الطويلة !!
تنهدات عميقة، وأخشى أن يقتلني الخوف ،في رحلة البحث عن الحقيقة،يتراءى لي البحر هذه المرة ،ويكأنه يخدع الناس، فيبدو جهنماً تبرّد معانيها لا أكثر !!


تمتد خطاي نحو ذلك الزورق الصغير،ولا مجال للرجوع ،الرمال حولي ترتعش بذلك الهواء الي يخطف الطمأنينة من كل شيء،حتى من ذاتها...وها أنا أنطلق!!

وسط بحرٍ يشتد نزق الظلام فيه،كلما عبرت امتداداته.. بحرٌ هو عقل شريعة الطبيعة إن بسطت الوصف اليه،وكم من عقول ترتخي ،وتخجل حين الابحار فيه..! يتهاوى أمام خيالاته ذكاء الشعراء، ويضيق أمام ذكاءه فطنة الحكماء،وأصحاب المنطق والعقل الرصين..
أتغافل كثيراً ،ولكن طال ذلك مني ،بل وشقّ علي ،ويكأنني أصغر بحجم اتساعه،أرهقني حتى بلغت الخضوع !!

قد يتنكس العقل في انتكاساته،ويستحي أمام عجزه عن عظم ذلك الإدراك،غير أن بقية اليقين هي التي تشرق بين ضلوعي ،تعينني على الاتزان مجدداً ..
وتغشّاني الضيق... وقد ضاق المسار حتى اختنقت،هنا تدخلني بعض الاشراقات برقّة ،أراني ابتسم وحولي العقول عابسة ،أهدأ وبين يدي غضب الأمواج وقسوتها..
نعم، لقد احتجت لذلك اليقين قبل العقل ومكنوناته، وكنت قد ارتضيت من قبل أن أكون عروساً للعقل ، فليجرِ عليّ نفقتي ، وليصوّر لي كيف فكرت ؟؟ وكيف أوثقت عرى قلبي ،وكيف جادلت من حولي ؟؟!!



هي ذاتها ،لا يمكن أن تصف رحلتك معها بخلاف ذلك ، ففي اللاشيء ترى هناك الأشياء كثيرة !! وحيث اللاوجود تراى مستقرها ومستودعها .. بحرٌ..لا كالبحور ،تجد الزيغ والهلاك في شطآنها ،وتجد الايمان والأمان في لججها وأعماقها..

كذا هي رحلتي مع "قصة الايمان" وأراى (نديم الجسر )يروي به نظرية الانسان ، هي رحلتي الأولى من نوعها، أقف كالذاهلة أمام سطو الكلمات ،أبعثرها حيناً بعد حين ،علني أفلح في ترتيبها ،وإعادة صياغتها ، وأحاول لمّ شتاتي فيها !!

يتحدث بعمق العمق عن اثبات الوجود،بأدلة الحدودث والوجوب ، وما أكثر المجتهدين هناك ..

وهناك ،ترى كم من المساكين الذين يقعون في شَرَك الابتداء بالتفكير السليم،والانتهاء بالخيال العقيم.. فمن الضروري كما جربت، امتلاك ما يكفي من الخيال ،يرافقه الوعي ،في هذه البحار العميقة ،لأن امتلاك القدر الكافي منهما ،يعينك على الاحساس بالنهاية التي ترنو الى الصيرورة اليها، وإن من شأن الخيال أن يمكننا من تصور عوالم من الامتدادت والامكانات ،قد لا يكون لها بين الوجود مكان أصلاً.. ولكن من شأن الوعي استجلاب اليقين .. ثم تمكيننا من الاتصال بالقوانين والمبادئ العامة ، التي تساعدنا على ارتياد عوالم الافتراضات ،والاسئلة واللاإجابات ..



حاولت أن أتقمّص دور كثير من الفلاسفة في التفكير،واجتهدت في ذلك ..ولكن يبقى العقل قاصراً عن إدراك مولاه وبلوغ المعرفة الدقيقة فيه ، وحتى لو افترضت ان الانسان يقول في وصف الله الحق كل الحق ، وقد يبلغ من الصدق منزلة كبرى.. لا أحسب أنه سيعلم أنه يقول الحق حينئذ..

تمر أمامي آيات القرآن الكريم وحثّ المولى الحكيم على التفكّر والتدبر ، ولكن تطرق كل آية لدي .. "ان في ذلك لآيات للموقنين " اليقين شرط !
"ذلكم الله ربكم لا اله الا هو ،خالق كل شي فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل ..لا تدركه الأبصار !! " والأبصار تشمل العقول وتدبرها...

"ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله..إن الله عزيز حكيم .. "
"تعلم ما في نفسي ،ولا أعلم ما في نفسك !"

"وما يتذكر الا من ينيب .."
لا يمكن أن نسير في غمار العوالم الغامضة إذا لم نُعمِل الفلسفة في مكانها السليم ، والفلسفة في روحها شاملة،وتعلِّم الشمول..
أما أولى فقرات ترحالي في الفلسفة ..فقد خلصت إلى أن اليقين هنا دواء .. فالفلسفة تعلم الشمول ، لكنها لا تمنحنا الدقة،ولا تسعف القلوب باليقين ..
وكذا العلم والتجريب .. يوقفنا على جملة من الخبرات الجزئية الدقيقة ،لكنه ينفر من التعامل غير المجرّب أو الملموس.. ويبقى يفتقر الى اليقين أيضاً..




رحلتي لا تزال في أولها .. ولكنني أبتغي سلامة الوصول ، لا سلامة جسدي ،ولكن سلامة قلبي وفكري، ومن عنده بعض من الزاد ،فليدركني به ...



صفاء الزغول
1-4-2011

هناك 3 تعليقات:

  1. وأي زاد افضل من هكذا عقل يصفّ تلك الكلمات !!
    !!

    ردحذف
  2. والله يا سلوى ،لا بد لنا من عدة برفقة فكرية مثلكم ..الله يرضى عنك ،أتشرف بمرورك :)

    ردحذف
  3. صدق الجسر حين قال: الفلسفة بحر على عكس كل البحور... فالإيمان والطمأنينة لا تأتيكِ إلا إذا مضيتِ في لجه وشهدتِ عواصفه!
    كتاب قصة الفلسفة جميل جداً كمقدمة للتعرف على أهم الفلاسفة ولكِ ان تنطلقي ببحر أكثر شخصٍ تعجبين به.
    وإن أردتِ عرباً فلكِ اسوة بزكي نجيب محمود وكتاباته.

    ردحذف

ولتصنع على عيني

صورتي
عالمٌ كبير ذلك الذي أبحرت إليه.. على غير هدى من الله ولا برهان.. من اليمّ إلى الساحل .. بتابوت السؤال ! واشتهت نبوّةً .. لتذوق جمال اليقين ..ولتقرّ عين أمتها فيها ولا تحزن ! حتى استجلبت ذلك الطور الخفيّ .. وصاغتها ... " ولتُصنع على عيني " العصا في يدها هشّةٌ مهترئة.. وأغنامها تبعثرت عند نفخة حياتها الأولى .. " ربااه .. عجّل بي لرضاك.. فلي مآرب عجِلة .. وأتِ بي على قَدّر ..فقد صنعت نفسي لك وحدك ! "