تفتح الباب بعناء ،وتسلم على الأهل برفق .. وتتابع المسير نحو كهفها المتواضع ، بضع دقائق،تسلم على والدتها التي لا تراها في اليوم الا في الأوقات بدل الضائعة من يومها المزدحم.. تناشدها المشاغل ،فتضطر الى الانعزال الى ذلك الكهف ...لتستطيع تدارك ما عليها من واجبات يومية !
طويل ذلك اليوم،بمهامه ومتاعبه ولقاءاته،13 ساعة من الحركة والتنقل،من مكان لآخر ،استشارات طويلة متعدده لمتخصصين،وكل منهم يدلّها على آخر ، لتستطيع أن تقدّم جديداً في" بحثها" الجديد...وضع ان شئت ألف خط تحت "بحثها" !!
الحكاية بدأت ،عندما حدثها أحد أساتذتها،ومن تعجب حقيقة بطريقة تفكيره وادائه الفكري النهضوي ، وتستفيد منه في أصعدة مختلفة..يطلب منها ولأول مرة أن تساعده في بحث جديد يريد تقديمه، تراها فرصة بعرض الأفق لديها.. ولكن ......
هل هذا مجالها؟؟ وما أولوية هذا الموضوع في مخطط حياتها؟؟ بنشوة .. "طبعاً اساعدك أستاذي :) "
تبدا بالتجهيز، والتفكير ،والتخطيط، تنطلق لاستشارات مطولة، فيذكر لها أحدهم "ويكأنني اشعر أن طالب رسالة دكتوراه أمامي !! "
ثم تصتدم للمرة الأولى مع ذاتها.. " بس انتي شو دخلك بهالموضوع ؟؟ لم أكن أعلم أنه من اهتماماتك !! "...
هو ليس من اهتماماتها بالفعل !! وقفة عنيفة أمام نفسها، عندما تتساءل .. " ما الذي يدفعني ان أنشغل بمثل هذا الأمر؟؟ الخارج عن اطار اهتماماتي ،وما فرضته على نفسي من أولويات ؟؟!! "
تؤجل التفكير قليلاً ، وتنطلق مجددا لاستكمال البحث والتخطيط والمقابلات والاستشارات...
لحظة !! هناك الكثير من المهام المرتبطه بأولوياتها..لم تستكملها بعد !! كلً ما أخشاه،أن تتناقص كفاءتها في العمل ..
أنهكت.. وبلغ الجهْد منها مبلغاً كبيراً .. فهذا نموذج ولكن ما تفعله أكثر من ذلك، وبنفس الشاكلة !!
أتساءل ، هل يغدو الابداع نهْباً ؟؟ أم هل يصبح تعدد المهارات، وسعة الموهبة نقمة ؟؟!!
ما الذي يجعل الشاب النهضوي المميز ،يقف أمام نفسه.. ليحاسب نفسه على كثرة المسارات التي يسلكها في حياته،ولربما لاتساع اطار موهبته وقدراته وابداعاته، يستطيع مؤقتاً الانجاز ، ومتابعة الطريق .. ولكن الى اي مرحلة سيستطيع الصمود؟؟
اقف حائرة أمامها.. وهي تقدّم بحثاً في كذا .. وتدرس كذا ، وتقرأ في كذا ،وتكتب في كذا، وتجتهد في نشاط كذا ، وتحاضر في كذا ، وتعتبر مستشارة عند الناس في كذا... جميل ورائع للغاية.. ولكن الى متى ؟؟؟
تميزت في بداية طريقها في الالقاء ، فيطرح عليها مشروع محاضرة في التاريخ، فتوافق مباشرة دون أدنى تخطيط، فهي الفرصة الأولى لها في هذا المجال ... قليل من الوقت ذلك الذي احتاجته ،حتى دخلت في هذا الغمار ، واحفظ عندك .. الآن هي "تحب " هذا المجال ،وتريد التخصص فيه !
ابداعها في الالقاء ،جعلها تُستجلب الى نطاق التاريخ، فتتعلم منهجية البحث العلمي ، تقدّم شيئا مبسطاً للغاية في هذا المجال ،فتجد أحد اساتذتها ،يريد أن يستثمر هذا الابداع في بحث يريد ان يقوم به ، وهو مجال تربوي !!
فتوافق تارة أخرى ، على اعتبار أنها فرصة جديدة ،لا يمكن أن تعوض .. قليل من الوقت أيضاً ،وها هي تتوغل في هذا الاطار، وسجّل عندك تارة أخرى .. " أضحت تحب هذا المجال ! " ..
ابداعها مجدداً وصرف همتها جعلها تنتقل تدريجياً من الالقاء الى التاريخ الى التربية وفنون التعليم ! محاضرة بسيطة في المجال التربوي ، يجعل أحد المراكز يهاتفها ، ويطلب منها عمل دورة مصغّرة أيضاً في هذا المجال ، فتجدها توافق تارة أخرى ! وتجتهد مجددا أن تقدم شيئا مميزاً ، تعود لتستشير اساتذتها في مجال التنمية البشرية ، فيقومون بتقديم أجندة صغيرة لمثل هذه المحاضرات ! تقدّم الدورة ، وينبهر من حولها !!..............................
" سمعتُ أنّ لديك ذوقاً جميلاً في مجال التصوير ،شو رايك تكوني ..... ؟ " ... " ذكرت لي صديقتي ، أن باستطاعتك الاشراف على لجنة المكتب الاعلامي في الجامعة فما رايك ..... ؟ "
" قالت لي أختي أنه قد سبق لك البحث في هذا الموضوع... ممكن تساعديني ؟؟؟ "
"الاستاذ فلان يطلب استخدامك في المشروع التكنولوجي الجديد للمركز .. بنستناكِ في ذلك الموعد !! "
"ما شاء الله عليكِ ، بدنا ادرسيلنا طالبات بحاجة تفهميهم هاي المادة !! ، متى بناسبك ؟ "
"أنتِ من الشخصيات التي لا بد ان تقرأ في مجال..... ، انجاز بسيط .............. لازم تعطينا دورة ! "
....
....
...
...
حاضر.. !
ما عندي مشكلة .. !
ولو ... بسيطة !
انا بحب هاي الاشياء ... !
أشعر أنها ستطور من مهارتي ... !
الأزمة ليست في العطاء وكمّه ... وإنما في تركيزه ونوعيته وكفاءته !
مشكلة يعاني منها الكثير من الشباب النهضوي ، في ازدحام المهمات الملقاة على عاتقه ، ولكن في غمار هذا الازدحام ،فإنه يفقد التركيز ، وهذا يودي به بالضرورة ، الى ان يستطيع "تحصيل شيء عن كل شيء ... " دون أن يستكمل " وكل شيء عن شيء ! "
أزمة التخصصية لدى شباب أمتنا _المبدع ،والملهم _ مشكلة كبيرة، قد يحب الواحد فينا أكثر من شيء ،ويتقن أكثر من مهارة ، ولكن انجازه سيتضاعف بما لا يقل عن 5 اضعاف إذا _ تخصّص _في مجال معين !
لم تنتج أزمة التخصصية الا عن طريق أزمة في ترتيب الأولويات ، والتفريق ،بين الهواية ، والمهارة ،والرغبة !
بالاضافة الى _نهْب الابداع _ الذي يستخدمه الناس ،في استثمار أكبر كم من طاقات الفرد .. وتطبيق قاعدة ... " حمّل الفرد وما عليك بالباقي " .. نلقي الكثير من المهمات على عاتق شبابنا ، وننسى أو نتناسى ، مسؤوليته امام بناء نفسه.. ليكتشف بعد مضي الكثير من الوقت ، أن تميزه في شيء معين ، وسعيه لإضافة الجديد ... ضرب من خيال !
فإضافة بسيطة يقدّمها ، بوجود _ناهبي الابداع _ يصرفه عن سعيه في تحقيق المزيد، ورفع كفاءة وفعالية الانجاز الذي يقدمه ! هذا لا ينفكّ عن اعتقاده ان كل ما ياتيه فرصه ، ولا يجب أن يفقدها ! ، وقد لا يدري أنه أضاع الكثير من الفرص ،على المستوى الأبعد ،حينما بدّل الانتشار المعرفي العمودي ،بالافقي ..
وأحدهما لا يغني عن الآخر بوجة نظري،وهذا ما نحتاجه كما تقول القاعدة .. "شيء عن كل شيء + كل شيء عن شيء ! " وهذا لازم بالضرورة ..
أزمة التخصصية ،بدات تتسع على مستوى ما أرى لحد اللحظة ! وأسعى جاهدة ،لايجاد حل ،قبل أن يمضي العمر ، فتجد الحياة بدت على "شفا حفرة !" ..
فإن كان لديكم تفسير .. تحليل .. أو فكرة إبداعية ، فأدركونا بها .. فكلنا في هذا السباق ،لا نبتعد عن الوقوف بجدية أمام مثل هذه المشاكل التي تقع بين الفرد وذاته ، ليصل لمرحلة ،لا يعرف فيها من هو ، فيتعجب من تصرفاته ،أفكاره بعد انقضاء فترة من الوقت ..
ولا يصحو ، والا وقد تفاقمت الفجوة بينه وبين ذاته ، وإمكانياته ،وقدراته ! ....
هي دعوة ، للم شمل النفوس على النفوس .. والقلوب على القلوب..و العقول على العقول ...
بانتظار إضافاتكم !
صفاء الزغول
13-4-2011
آخ عقلي ~
ردحذفصفاء قال لي استاذي يوماً .. هبة إنقضى زمن النوم!
الجهد مكثق على المبدعين أتعلمين لماذا لقلتهم ..
إن أصبحوا المبدعين كثرة .. حينها الضغط سيقل تدريجياً..
إذا المطلوب منّا مساعدة المبدعين .. إنشاء فريق يوزع عليه المهام .. وهكذا تشاركين بكل شيء ولكن ليس كل شيء عليكِ وحدك .. وحينها أيضاً ستحصلين على وجهات نظر آخرى ..
وهذا الحل بنظري .. الراحة بعيدة المنال .. ولا حاجة للمبدعين لها ..
حرصنا الحالي ان نصنع فئة ضخمة من المبدعين ليسهل تشكيل الإبداع !
~ أتمنى ان اكون قد قدمتُ لك فكرة تساعد عقلك الذكي على إبتكار أفكار أخرى :)
كل الحب لصاحب الهمة