الأحد، 19 يونيو 2011

القصيدة الثالثة

أمسك بيد الباب برفق.. وأغلقه بهدوء.. الجميل أن البيت خالِ من أي معنىً لوجود كائناتِ حيّة فيه! ولكنني أشتهي هدوءا من نوع خاص..
أغلق النافذة ايضاً ...مع أن فيها لوحة تستوجب الوقوف أمامها وقوف الفلاسفة حين التأمّل !
حتى أنني لا أحتاج الى بعض النور الذي تلقيه عليّ هذه الأضواء.. فأطفئها هي الأخرى ..


ولا يروق لي سريري الحنون هذا المساء..


حتى أنا.......
 لا أحتاجني... !!


أشعر أنني أفقد حتى الحروف ، بُغية أن أستيطع الاصغاء الى همهمات فؤادي في هذه الليلة.. وكم يبدو الدرب طويلاً من فؤادي إلى الورق !
الهدوء تارة أخرى... أقترب من معاني الصدق لأول مرة، أطرق بابها..عساها ترفق بي..
أقف في دروب الصحاري ..حتى على تلكم الواحات التي تبعث الحياة من اللاوجود، علّني أجد من يورِد عليّ منيّ!


كانت الأولى تُسمعني صوت أنفاسها التي تملؤني دوماً، وتجعلني أحملها ،وأنطق بها صباح مساء..وباسمها اسمع وارى !
تعبرني دوماً ، دون أن تخلع نعليها.. فهي تدري أن روحي أمامها بالذات ..لن تكون وادياً مقدّساً ..
وإن المحبّ لها ،إذا ما نال منه الهوى مكاناً أضحى عند الكرام شخصٌ عظيم ! وكم يقاتلنا الدهر عن صحّة الروح في قلب ينبض بها ، ويدفعنا للهلاك...




فيها ترى وجه السماء ملخّصاً .. وتنتفض الروح ببعض حروفها .. فيها ترى مالا تستطيع احتماله ، وإن سمعتها أصحبت ندّاً لموتك..كما تحييني صباح مساء !
وكلّ قصيدة لا بد أن تولِد لها ندّاً .. كما أن النخيل ندٌّ في صعوده نحو السماء.. والمرء ندٌّ لموته ، والسحاب يموت أمام المطر..


كانت الثانية !
وكانت كما البلاد لغربة المحبّين !
الخوف فيها يدّثرني ساعة الخوف ، وبعض الليالي أضيق من أسحاري فيها !
الترحال معها سِمًتي .. على أيّ ركب كان ..اقطع فيها البحار والبيداء.. لا لم ولن أوتى من قبس إلّا من بعض ما فيها !


الأحلام خصبة ، والأيام حين تّطوى ،وعلى أيّ جرح فينا..
تنقضي وكثير من انقضاءاتها منّا ..كأنّ الأوقات تخلع جذورها منها !
والبُغية أن نموتَ ميتة الأحرار !


انا التي أصغت إلى حروفها... فأصغي لي الدهر منصتاً ..
وقذف في باحات الذكرياتِ ما لا يزيله غبار الأيام !




انا من أصغت إليها كما أراد الشاعران أن يُصغى لهما ..فأصابا من التاريخ عرضاً وطولاً ...وأزاحا عن أيامي حجاب الهامش اللعين !
وجودهما يصيّر عالمنا اليوم لوحة تكتمل يوماً على إثر يوم ، يقفان وأقف من أمامها ، على عتبة الشمس ،وعلى شرفة القمر.. في محاولة لخلق الحقيقةِ حتى ولو من ظلّها !!


أدري أنّ النقشّ بالكلمات يكون أجمل من الرسم بالألوان كثيراً !!
وحروفهما لغة من الحب مرساها هي.. !! وكل ما حولها اكتمالاتٌ زائفة !!


بدونها لن تكتمل المعاني ، وكلّ صلاة لي أتلوها تزيّنها لهفة إليها وحنين ..




فالمُهَج تذوب لسماعها ، قصيدةً ثالثة !
حين يموت الجميع ، وحين ترشقنا الدماء يمنةً ويسرة ..نحتاج الى قصيدة ثالثة !
أو حتى حين نوم الجميع ، هل نخشى سقوط النجوم ؟؟ عنّي سأذهب بمسامير الحقيقة اليها تحت سقف اليالي .. لأكمل البحث عن الثالثة !!
وحتى حين اقتربتُ منها قبل فترة .. ها هم يغيّرون خطّ النهاية عن دمعةِ الانتصار.. يحترفون جعْلي يتيمة !


أيّ مرفاً ذلك الذي ابحر منه وارسو إليه حين انتظارها ؟؟ أم أن بعض الانتظار جزءٌ من لقاء ؟؟
فيها.. كلّ من شُتت شمله يجتمع ! .. فاين أجدها ؟




قصيدة أشتهي أن تكتمل شطورها ، وقبل ذلك أنتظر مولد شاعرها المخضرم ..
حين يولد .. سينبض الحجر والشجر ، حتى وإن توقّف قلبه عن الخفقان !
حين يولد.. سيموت كثيرون على الارض ،ولكنها ستبقى بصحّة جيدة !
حين يولد ..سأولد أنا !


أيا ثالثاً برغم الهلاك أنتظره...عهد عليّ إلا حميتها ..وحملتها حملاً رغيداً إلى كلّ الأمم .. فلا تجعلني أسرح مفقود الجواب أحاوله !






صفاء الزغول
19/6/2011


هناك تعليق واحد:

  1. القصيدة الثااالثة صفاااء :)

    ما بين عشاق القصيدة وراويها تفاهم من رونق خاص ,,

    ^_^

    ردحذف

ولتصنع على عيني

صورتي
عالمٌ كبير ذلك الذي أبحرت إليه.. على غير هدى من الله ولا برهان.. من اليمّ إلى الساحل .. بتابوت السؤال ! واشتهت نبوّةً .. لتذوق جمال اليقين ..ولتقرّ عين أمتها فيها ولا تحزن ! حتى استجلبت ذلك الطور الخفيّ .. وصاغتها ... " ولتُصنع على عيني " العصا في يدها هشّةٌ مهترئة.. وأغنامها تبعثرت عند نفخة حياتها الأولى .. " ربااه .. عجّل بي لرضاك.. فلي مآرب عجِلة .. وأتِ بي على قَدّر ..فقد صنعت نفسي لك وحدك ! "