كان يجول الكثير مما في خاطري حول هذا الكائن..ورحلة البحث عن المعنى..وعن غير تخطيط بالذات في هذا اليوم ..
ووسط تجوالي في زوايا موقع التواصل الإجتماعي "فيس بوك" وجدت هذا المقال للدكتور "مصطفى الحسن" أستاذ التفسير في جامعة الملك فهد في المملكة العربية السعودية ...
وقد راق لي..فأحببت مشاركتكم به :) نص المقال :
" في اللحظة التي يولد فيها الإنسان.. يولد معه تمسكه بالحياة.. يبحث عن الأمان ويقاوم كل أشكال الغربة، يحاول التكيف مع عالم لا يعرفه، يراهن على سعادته في مكان لم يسمع عنه، تبدأ في هذه اللحظة جدلية الإنسان والحياة.
لا يبدو عليه هذا السؤال المُنهِك، فهو مشتغل باختزال الحياة في لحظاته، والده يتحدث عن ديونه ومشاكله وهو لاه بلعبته، أمه تفكر بالرحيل من البيت وهو يطلب قطعة حلوى، الحروب من حوله والدماء تسيل وهو يطلب من والده تغيير قناة الأخبار ليشاهد حلقة جديدة من برنامج المفضل! إنه يتقن فن اختصار الحياة أو اختزالها في لحظة... لحظة لعب.. وكأنه يدرك تماما أن الكل يلعب.. فالأولى أن نتحلى بروح رياضية عالية.
لا يبدأ السؤال الحقيقي عن الحياة إلا متأخرا، أو أنه لا يبدأ إلا حين يقوى العقل وتتراجع الأحلام.. حين يرى الإنسان مشهد الآلام.. فيفكر جديا في مدى ما ادعاه سعادة!
يتراوح حينها بين لحظات يتلاشى فيها المعنى، ولا تبدو الحياة ذات سبب، ولحظات أخرى يرى أن الحياة أجمل من الاشتغال بسببها، هي جميلة هكذا بمرارتها.. ولا منطقيتها.. بمفاجآتها.. بمستقبلها المجهول، لكنه يعود إلى لحظات يأسه ليكتشف كم كان مخادعا ليجد القدرة على الاستمرار، كالسجين الذي يستمتع برؤية نملة تمشي على الأرض، فيرى عالما مليئا بالجمال، لكنه لو خرج لما أعارها أي اهتمام، وإنما أوقات يقضيها.
يلتفت في إحدى منعطفات حياته إلى الإنسان، فيهوله هذا الجمال.. وهذا اللغز.. أكثر ما يدهش في الإنسان أنه مستعص على الفهم، بحر غائر، حتى إذا رأى الجمال، تعكر صفو ذلك بالمتناقضات، إنه الإنسان المُؤثِر والأناني، المعطي والبخيل، المحب والحقود.. إنه هذا وذاك في اللحظة ذاتها.. وفي الفعل نفسه، إنسان الحضارة وبشاعة الحروب، العابد لربه والمتاجر بدينه، حامي الأعراض وهاتكها، خليفة الكون والمتسبب في فساده، صانع الثورات ضد الظلم وصانع الظلم بعد ذلك.
كثيرا ما تأملت في الآيات التي تناولت الدنيا في القرآن الكريم، {اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد}، هل هي ذم لها! كالخطاب الذي نسمعه من الوعاظ دائما!
وكيف تكون كذلك وقد امتن الله تعالى على عباده بنعمه فيها! إن كان ذلك ذما فهل يكون للامتنان معنى! هل يكون وجودنا في مكان دنيء نعمة!
أم أنها مجرد وصف، وصف ليعيد التوازن في التعامل مع الحياة الدنيا، إنها لعبة.. وحقيقة فعلنا هو لهو.. ونحن نتزين بكل ما هو فيها.. وحركة الإنسان فيها تفسرها (التفاخر) و (التكاثر)، إنها مفتاح لفهم أو بالأحرى لـ (تفهم) سلوك الإنسان، لمعرفة دوافعه، التي هي هنا فطرته، التفهم الذي يولّد التسامح.
إنها تبدو حياة بلا معنى، حياة اللهو والعب، ولن يقدر الإنسان (المتسائل) على الاستمرار إلا بوجود المعنى، ولا يظهر المعنى إلا عند الاحتكاك، الآلات لا تبدو ذات معنى بالنسبة لنا إلا حين استخدامها، أي احتكاكها بالطرف الآخر، (الملعقة) آلة معكوفة من الآخر على شكل الكف حين يحمل الماء، ليس لهذا معنى إلا حين تدخل معترك الحياة فيصبح لوجودها معنى.
الإنسان عظيم في ذاته، لكنه لن يدرك المعنى من وجوده في الحياة إلا حين يعترك بها، حين يلج التجربة من أوسع أبوابها، فكلما التحمت نفسه بمجالات الحياة المختلفة استطاع أن يدرك معان أكثر، وفهم لوجوده أكبر..
إني أحاول طرح زاوية مختلفة في النظر للأمور.. في النظر إلى الدنيا.. أحاول معالجة فهم الآيات التي استخدمها الوعاظ لجعل الدنيا حقيرة تافهة.. ولجعلها معيقة عن الآخرة.. والعقبة التي علينا إزالتها أو تجنبها
بدلا من ذلك ستكون الدنيا مفتاح الطريق إلى السماء.. الموصلة إليها.. ميدان العمل الذي عالجه القرآن.. ليقيم التوازن في التعامل معها. "
د. مصطفى الحسن
8/6/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق