الأحد، 1 مايو 2011

أدوات الوصول (1)

بعد أن أخذت قسطاً مهما من الوقت،لتجميع سيل الأفكار الذي اجتاجني مع دخول مشروع النهضة والدكتور جاسم حياتي ،أخرج اليوم بمجموعة من القناعات والأفكاروالمفاتيح التي لا بد أن تحيط بأي شاب يبتغي صناعة مجدِ جديد لأمته ،وانجاز المشروع الحضاري الذي كلفنا المولى سبحانه وتعالى به ،في إطار العمل الجاد للوقوف أمام مسؤولياتنا بعد أن تخلى عنها كثيرون ..

في هذه التدوينة،سأتعرض الى ابرز ما وصلني من الدكتور جاسم فيما يتعلق بتعاملنا مع القرآن الكريم، كان ذلك عندما طرحت عليه سؤالي "بأن هناك بعد عن القرآن الكريم كبير في أمتنا ،ونجد ذلك حتى بين القائمين بالمشاريع النهضوية اليوم ،فلماذا هذه الفجوة؟ ولماذا غدا المصحف زينة في البيوت لا يتجاوز أكثر من ذلك ؟ "


عندما اتخذ حبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام،القرآن الكريم ك"كتالوج" لبناء اضخم مشروع حضاري عرفته البشرية ،كان كذلك ..وعندما نتخذ من القرآن الكريم زينة في البيوت والمكاتب او هدية لصديق ، سيكون كذلك ايضاً !!

نرى المعضلة الكبرى أن " صالح لكل زمان ومكان " غدت في خطر شديد ، فالعامة لا يؤمنون إيماناً حقيقا على صعيد الارتباط بين حياتهم العملية وتفاعلاتهم معها وبين دينهم والقرآن الكريم على صعيد آخر! ،فالدين بدأ ينحصر في المسجد كمكان ، وفي رمضان والأعياد في الزمان !!

(( الدين نزل كأداة لصنع العظمة ، فما باله اليوم يصنع عظاماً ؟؟ )) سؤال يطرحه الدكتور جاسم كثيراً .


الفجوة الحقيقة بدأت بالظهور ،عندما ضعف المنهج الرابط بين النص الخام من جهة ، وبين عقل الإنسان العامل على هذا النص من جهة أخرى ،فاجتهاداتنا اليوم وآراؤنا عبارة عن استخلاصات من عقول عاملة على النص ،  ثم نستخدم المنهج البشري بالعمل عليها !!

نأخذ ديننا من المنابر ،ومن أقول وآثار واجتهادات السلف ،دون أن نضع بعين الاعتبار أنها اجتهادات تأثرت بواقع خاص تشكّلت من أجله ،وأثّرت في اطارها الضيق في الزمان والمكان ايضاً !!




غفلنا عن كثير من القواعد الضرورية في تعاملنا مع شريعتنا ، خاصة مع قاعدة " صحة المتن لا تعني سلامة الاستنتاج منه ! " الاشكال الذي نقع فيه ،بعدم التفريق بين المنهج والمنتج ! وكلٌ يأخذ من القرآن ما يناسب عصره ،والله عز وجل وضع في النص ما يناسب كل زمان ومكان ..فباي حق نؤطّره كما نريد ووقتما نريد ؟؟

الدكتور جاسم يرى أن نظام القناعات الشخصية ،عادة ما يتشكل من سلطة القديم ،وسلطة القائم ،والقرآن الكريم تعامل مع السلطتين بوضوح بالغ..

فسلطة القديم (مجموع الأفكار التي اكتسبت شرعيتها من خلال أناس، أو شخصيات لها وزنها في المجتمع) التي كانت المعضلة الأكبر التي تواجه الرسل والأنبياء مع أقوامهم قولهم "بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون " _بالضبط كما نفعل نحن اليوم !! _ فيأتي رد القرآن الحكيم علينا وعليهم .. " أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ " !!!

نحن لا نقلل من أي اجتهاد لأي عالم من علماء السلف الصالح ، ولكن عندما يصبح تعاملنا مع آراءهم أو مع شخوصهم ،من منظور "مقدّس " هنا تتولد المشكلة التي لا تختلف كثيرا عن " إنا وجدنا ىباءنا على أمة ! "



اما تعامل القرآن الكريم مع سلطة القائم(التي تحرس أفكار سلطة القديم، وهم بذلك يحمون مصالحهم ، ويعيدون إنتاج الأفكار القديمة القاتلة في البيئة الحديثة المعاصرة)  فكان الرد على اي ادعاء "قل هاتوا برهانهم ! "

الخلاصة التي وصلت إليّ أن مشكلتنا الحقيقة هي في القراءة التجزيئية للقرآن الكريم ،فكل فرقة أو اتجاه فكري يجد له نص واضح في القرآن الكريم، مثلاً ..التيار المتشدد يجد " فاقتلوهم حيث ثقفتموهم " والتيار المتساهل يجد " وان جنحوا للسلم فاجنح لها !" ولكن الآيتين في قرآن واحد ..فكيف يعيب الأول على الثاني أو العكس ؟؟

الاجابة بسيطة ، اننا نفقر الى القرآءة الكية للقرآن الكريم !.. ومحاولة الحصول على فهم كلي للنص ، يذكر أن الفكر المقاصدي تعامل مع هذه المشكلة ،لكن لا بد حتى مع المقاصد أن ننتبه الى أنها ليست جراباً نضع فيها ما نشاء ،كأن نقول أن المقصد من آية الحجاب السترة ،فإن تحققت فلا حاجة لغطاء الشعر !

كما أن المقاصد ليست مظلّة نسقطها على النص ،وإنما تستخرج منه ..
قراءتنا للنص قصة لوحدها ، فالقرآءة ليست فك الحرف فقط ،وإنما فهم العالم كما اراده مولانا "اقرأ باسم ربك الذي خلق "
عندما تعاملنا مع القرآن الكريم ،بالتلاوة وتجويد الصوت وحسب ، خسرنا الكثير من المعاني الواضحه مثل الشمس !!




لا بد أن نكسر الحاجز بين خوفنا وتوجّلنا من الدخول على النص ،بما نحن عليه ...ثم نتخذ من القرآن الحكيم ،بوصلة لحياتنا وتفاعلاتنا معها ،ليست دعوة لنسف اجتهادات السلف ،ولا إعادة البناء من الصفر ، وإنما ذكاء في التفريق بين المنهج والمنتج،بين النص ومخرجاته ودلائله وتأثيراته على واقعنا ...

******************

في خضم الحديث بهذا الموضوع مع الدكتور جاسم ،رشّح لي الاستزادة من الدكتور أحمد خيري العمري ، وخاصة كتاب "البوصلة القرآنية " وهو من أحد أهم العاملين الاذكياء على النص القرآني وقرآءته بطريقة جديدة ، تعيده الى مكانه الاصلي في صناعة حضارة الأمة !



                                       (( موقع القرآن من أجل النهضة ..))

التالي سيكون عن مسار الأحداث والذاكرة التاريخية لأمتنا بتعاملها مع الدين ،وكيف نفتح عصراً جديدا للنهضة ..



صفاء الزغول
1-5-2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ولتصنع على عيني

صورتي
عالمٌ كبير ذلك الذي أبحرت إليه.. على غير هدى من الله ولا برهان.. من اليمّ إلى الساحل .. بتابوت السؤال ! واشتهت نبوّةً .. لتذوق جمال اليقين ..ولتقرّ عين أمتها فيها ولا تحزن ! حتى استجلبت ذلك الطور الخفيّ .. وصاغتها ... " ولتُصنع على عيني " العصا في يدها هشّةٌ مهترئة.. وأغنامها تبعثرت عند نفخة حياتها الأولى .. " ربااه .. عجّل بي لرضاك.. فلي مآرب عجِلة .. وأتِ بي على قَدّر ..فقد صنعت نفسي لك وحدك ! "