الخميس، 5 مايو 2011

أدوات الوصول_2_

أدخل اليوم عامي الثاني في دراسات بيت المقدس ، والذي اكتشفت ان التاريخ هو المكان الأنسب لي ،فلا أرى شيء يصنعني بهذه الشخصية مثل دراسة تاريخ القدس ،خصوصاً مع انتهاء دورة جديدة في المفاصل التاريخية للقدس بالأمس مع الدكتور عبد الله معروف_دكتور دراسات بيت المقدس _ .
 مراحل نوعية كثيرة تلك التي مرت على منهجية تفكيري ورؤيتي للأحداث ، وأما مع دورة الدكتور جاسم فإضافة جديدة أراها ...وهي موضوع طرحي في هذه التدوينة.


مجمل الأفكار التي طرحتها على الدكتور جاسم ،كانت مستوحاة ابتداءا من الدورات التاريخية المقدسية مع الدكتور عبدالله معروف  وهذه الافكار تتركز في ثلاث نقاط رئيسية ،أولها الولوج على التاريخ ابتداءا، وثانيها تعاملنا مع ما نراه "سقطات"في التاريخ ،والثالثة أين نضع التاريخ في المشروع النهضوي اليوم.


إن من أهم العقبات التي تقف أمام ولوجنا على التاريخ وقراءته وتحليله،هي الصورة النمطية "المملة" التي عرض بها على طلبة المدارس والجامعات ، وإغراق الطلبة في أرقام وتواريخ شكّلت العامل الأكبر في ابتعادهم عن مضمون الحدث وقراءته،ثم طريقة العرض الرتيبة أيضاً والتي تتمثل في .. حصل كذا وتبعه كذا ،ثم كذا وكذا وكذا ..........................الخ !



ولا أنكر أنني كنت من أكثر الناس كرهاً ل "كتاب التاريخ" بل وأذكر انني كنت أنتقم من الكتاب شر انتقام مع نهاية كل فصل دراسي !
قراءة التاريخ بمعزل عن "فلسفته" هي المنتِج الوحيد لمثل هذه المشكلة!!


الحل كما يراه الدكتور جاسم والدكتور عبد الله هو التعامل مع فلسفة التاريخ _النظرة التي نحاول ان نكتشف فيها القواعد المحركة للمجتمعات أو الأحداث _ وذلك عندما يدرك العامل  في المشروع الحضاري ان فلسفة التاريخ علم اشار اليه الكتاب "فانظروا كيف بدأ الخلق "


فالتاريخ يوقفنا على أخبار الأمم الماضية ،بل ويجمع الخبرات الانسانية ويُجملها في تسلسل عجيب للأحداث .
وهذا ما نقتنع به بالفطرة،فابسط مثال صاحب العمل ذاك إذ يحتاج شاغراً عنده في الشركة فيكون الطلب الأول "السيرة الذاتية" أي ما يمكننا تعريفه ب "الذاكرة التاريخية" للمرء ،وعليها يكون التقييم !




وإذا أدرك القارئ قيمة الولوج على التاريخ وشرع في الترحال فيه،فهنا ننتقل من مرحلة الدخول الى مرحلة "التعامل مع التاريخ" والأدوات التي نرفع بها مستوى كفاءة القراءة والتحليل .
إذ أنه لا يمكن إنكار الفجوات التاريخية ،والبقع المظلمة فيه ،فالأولى تفتح باب السؤال ،والثانية تفتح باب الألم !!


أما الفجوات فقد تنتج بسبب فقر في النصوص التي تروي الحدث وتفصّل فيه ،وعليه فإنها تسبب مشكلة لنا في حال أردنا أن نأخذ مقاطع تاريخية لنسقطها على واقعنا ! وهذه قصة لوحدها !!
فدقة الفهم والتحليل توصلنا في بعض المقاطع التاريخية الى طرق مسدودة ،لأننا نصادر على الناس في ذلك الوقت تفكيرهم ،ونطلب منهم التصرف بناءا على تفكيرنا نحن !!


كثيراً ما كنت أتخذ اسلوب التبرير ،والبحث عن "ماورائيات "الأحداث لدرجة تبعدني عن أخذ الحكمة والتعامل مع الحدث ذاته!! وهذا يفقدنا رونق القراءة والتحليل ..



وأما التعامل مع البقع المظلمة فهذا يحتاج الى فن وسعة صدر..
فعندما نقرا أن صلاح الدين قسّم الاراضي المستعادة بعد فتح القدس على ابناءه وابناء عمومته ،ونقرأ عن سيل من النزاعات التي أدت إلى سقوط القدس 3 مرات في يد الصليبين في الفترة الايوبية لوحدها التي لا تتجاوز 70 سنة في القدس على أبعد تقدير !!

ستكون الصدمة بالغة جداً على القارئ ،ومتعبة له في طريقة عرضها على العامة !! لكن دارس التاريخ يلحظ أن" الاختيار الوظيفي " للحدث يتحكم في زوايا عرضه،فمنهم من يأخذ زاوية التبرير فقط،ومنهم من يُغرق في التحليل ،ومنهم من قد يقع في شَرَك إما التقديس والتنزيه أو الذم والتدمير !! والجمع بين الزوايا بالنظرة الشمولية أولى !


إقرارنا أن اي منهج هو جهد بشري قابل للخطأ يحل مشكلة ..وقبولنا بقاعدة أن الانسان يصنع خياله من الموجود حوله يحل مشكلة أيضاً ،ويقيننا أن تلك المجتمعات كان لها أعراف خاصة لا تشبه ما نحن عليه اليوم سيحل مشكلة أيضاً !!

أما عن كيفية تفعيل التاريخ في المشروع النهضوي الحضاري اليوم ،فلا بد أن نكسر حاجز التعامل مع التاريخ بأبسط قوانينه،وأن يكون لدى متخصصينا نظرات مختلفة لزوايا متعددة في نفس الموضوع ،وهذا سيعزز من معالجاتنا للحدث والاستفادة منه!

ولا بد أن نوسع إطار المرونة ،الذي يغير من نظام القناعات المرتبطة بذاكرتنا التاريخية،وأن نستثمر القوة التي يطرحها المعنى ،لا الفعل نفسه،أن نفعّل الدقة في منظورنا بدون تهويل أو التهوين للحدث ،فكل ما يحتاجه اشتباك المعاني هو فهم يقود إلى ضبطها ،وأن تكون مساحة أحكامنا عريضة في التاريخ ،وليست كالسيف..إما الابيض أو الأسود فقط !!



أرجو أن تكون الصورة جليّة ،وأما التالي فسيكون أكثر قرباً من واقعنا الحالي ،بين الامكانات والتطلعات !


دمتم بخير وهمة
صفاء الزغول
6-5-2011


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ولتصنع على عيني

صورتي
عالمٌ كبير ذلك الذي أبحرت إليه.. على غير هدى من الله ولا برهان.. من اليمّ إلى الساحل .. بتابوت السؤال ! واشتهت نبوّةً .. لتذوق جمال اليقين ..ولتقرّ عين أمتها فيها ولا تحزن ! حتى استجلبت ذلك الطور الخفيّ .. وصاغتها ... " ولتُصنع على عيني " العصا في يدها هشّةٌ مهترئة.. وأغنامها تبعثرت عند نفخة حياتها الأولى .. " ربااه .. عجّل بي لرضاك.. فلي مآرب عجِلة .. وأتِ بي على قَدّر ..فقد صنعت نفسي لك وحدك ! "