السبت، 23 أبريل 2011

بداية جديدة



كما السفينة أشق عباب البحر،لا تخيفني ظلمته..عرضه..وما خبأه من أسرار خلف لطف المياه وسكونها.. وحيث اللامرفأ أسير،أبغي وصولاً الى مكان لا تخجل أشرعتي من المكوث فيه، تنتشي بعرضها وشموخها.. مكان..يرد إليّ روحي،يشفي ما بي من أسئلة..يرزقني الجواب !!

تتمايل الشطآن،وتختفي بعد أن ظننت أني قد وجدتها.. لماذا؟؟ ليس السؤال الذي أستطيع أن أشكّل له إجابة !


هاهي تمسك بيدي، وتفجأني أمام نفسي إذ تقول: "لا بد أن يكون لكِ مكان في هذا المشروع".. الأشغال تملئني ،لدرجة لا أجد الثواني التي أخلو بها الى نفسي ،فكيف أشرع بسفر جديد؟؟
على استحياء منها وافقت.. ومسرعةً أتيت إلى ذلك المكان، ها هو يتحدث،ويطرق شغاف القلب، على ترنيمة عقلية جديدة.. التاريخ بطعم جديد..لا كالذي تعودت عليه.. فلسفة.... ذلك العالم الذي أدخله فألقي ما في جعبتي،استجلب ما امام ناظري،ثم أخرج منه مسرعةً..أعلم أنه قد يسلب مني عقلي !!

فأقرر أن أحصّن نفسي بعدم الاستماع إليه.. ولكن هيهات أن أُسكت همهمات العقل إذ أخلو به حيناً.. ما العالم الذي بسطه أمامي ذلك الشاب؟؟ كيف أرى الصورة بتفاصيلها ومن بعيد ؟؟ عن اي عالم يتحدث؟؟ كثيرة تلك الأسئلة التي أوقفها أمامي..
فقررت أن أعيد التجربة تارة أخرى،وكذا فعلت ..
أذكر أن الايام الثلاث تلك،كانت نقلة نوعية بالنسبة لي ،حينما أمسكت بأول كتاب "فلسفي" في حياتي..لأبحر به مجدداً.. وأشعر أن خيام افكاري تتقوض شيئا فشيئا !!


ها هو يرسم لوحة جديدة،وكلنا يعلم كم هو رائع أن ترى الدنيا بعيون فنان !! ولكنها جاءت في حالة من طوارئ تعيشها أمتنا، اضطرابات فكرية كانت تجتاحني كل حين ،ولا أجد إجابة في دنيا التساؤلات..
كثير من المشاريع والافكار التي تخاطرني ،ولا أجد لها مكاناً.. أخجل من التفكير بشيء وأنا أقف امام نشرات الأخبار التي تلقي بالموت في كل باب ،وامام كل إنسان !

ومع كل هذا وذاك، يأتي ربّان السفينة بنفسه..ويبسط ما عنده في عالم الأفكار، كنت اسمع باسمه منذ فترات طويلة جداً،وأذكر أن صديقتي من القدس "آلاء سامي" كانت تطرح عليّ هذا المشروع من فترة،منذ أن تعرّفت عليها قبل عام تقريباً.. ولكن الاجابة على كل ما كانت تقول .." انا مش فاضية ، مش من تبعون النهضة، خليني بالقدس أحسن " حجتي أنني أعمل في الشأن المقدسي ، وأبتغي التخصصية ، ولذلك لا يجب أن أغامر في مجال جديد،قد يحرف مساري ،أو يشوش عليه..أنّى كان هذا المسار!


ولكن مع قدوم ربّان مشروع النهضة "الدكتور جاسم سلطان" ، الى الأردن،وبعد أن خضت التجربة الأولى مع أحد تلامذته،وكسرت حاجز التعرّف على المشروع، كان للموضوع شأن مختلف تماماً !!
6 أيام متتالية،من الضخ الفكري الجديد من نوعه على ساحتي الشخصية، وأعني بالجديد،أنني كنت أرى مثل هذه النوعية من التنظيرات حالة من "الترف الفكري" وأنها ابعد ما تكون عن واقع ،يحتاج الى عمل مركّز ومكثف.. بغية تدارك الوقت الذي يمر سريعاً على أمتنا..


حالة الصدمة التي اصابتي كانت قوية،عندما قوجئت بالمنظومة الضخمة للتحليلات،والافكار والأطروحات، وستكون موضوع أطروحاتي في التدوينات القادمة،لما وجدت لها من أهمّية كبيرة، بقدر الشمولية التي تُطرح فيها..

انطلاقاً من منظومة التفكير والتحليل الاستراتيجي للأحداث،واستقراء جديد للذاكرة التاريخية،وفنون الاستفادة منها ومن فلسفة التاريخ، الى نظرة واسعة الى الجغرافيا السياسية للعالم،وكيف تشكّلت قواه واوزانه ،الى الفهم النوعي لحركة الاقتصاد العالمي،وما الذي يسيطر عليه ويوجهه ..




مشروع النهضة بخلاصاته التي وصلت إليّ.. يعبر بوابة الارتجال، الى التخطيط العملي العلمي، عماده الوعي، والرؤية المصقولة، وفهم جديد للواقع وتحركاته..
أفكارٌ حية في بيئة ركود، حيث تلتقي هذه الأفكار بالحساسية الجماهيرية ومطالبها واحتياجاتها..أن نعرف الضروري ونقدره،وننطلق منه الى الممكن ،لنكتشف بعد حين أننا أصبحا في دائرة ما يعرف ب "المستحيل "..

أن نتفنن في اكتشاف ديننا وتوظيفه، في مرحلة باتت " صالح لكل زمان ومكان" في خطر، عندما نرى الناس بدأت تتفن في شراء أجمل المصاحف لتزين بها زوايا البيت..لا أكثر !

المشروع فكرة،وحاجة مجتمعية ملحة، كل ما نحتاجه ،هو حسن التلقي،ثم رفع كفاءة الاستفادة من الاشياء ،بناءا على مجموعة من الطاقات والأفكار والقوى العقلية،التي تحرك التاريخ ..


وفي ظل هذا السيل العارم،وشبكة العلاقات الرهيبة التي دخلت بها،وجدت نفسي تائهة نوعاً ما ، وخلف اللوم بدأت القي أعذاري،ما الذي يدفعني للولوج في ما لا يخصني ،ولا هو من ثوبي..؟
وجدتني أمام مواجهة صعبةً لذاتي.. حتى قلمي ،ابى عليّ أن يساعدني،ويوقف ذلك الاجتياح الكبير من الافكار .. غير أنني أتقن الوقوف امامها في الأوقات الحرجة،في فترة لم أعد أعرف نفسي ..وما الذي افعله بالضبط !!

فوجدتها تلك الضارة النافعة .. اليوم،وبعد اسبوع من انقضاء لقاءاتي مع الدكتور جاسم السلطان،وسيكون لكل محور منها تدوينة خاصة كما ذكرت في الايام المقبلة، سعيدة جداً بذلك الدفتر والقلم الجديدين ، والذي أمسكه كريشة فنان امام لوحته،سعياً لرسم الخارطة الذهنية الجديدة ل "صفاء" ،وكيف استطيع أن أقرأ ذاتي في لوحة !! ألونها بألوان خاصة،وأصنع منها حجماً كبيرً بقدر عالمي ، وأخرى صغيرة بقدر مكتبي.. حتى أعيد التعرّف على ذاتي كلما جهلتها .. :)
_على فكرة التجربة راااائعة ومسلية جداً أن تتعرف على ذاتك ،نصيحة لمن لم يجربها من قبل _

المهم أنني أعود الى لغتي ، وصيغة أفكاري،ربما أطيل الغياب في الفترات القادمة، حتى تكتمل تلك اللوحة بين يدي ،وحينها سيكون العطاء مسترسلاً..ولكن بلون جديد،وبطعم جديد ..


الى ذلك الحين.. أدعوكم حقيقة الى الاطلاع على هذا المشروع الراقي ، والتجول في بحاره السبع، "مشروع النهضة " ،علّكم نجدون فيه الحلقة الضائعة كما وجدت انا شخصياً..

تحياتي النهضوية:)
صفاء الزغول
23-4-2011

الأربعاء، 13 أبريل 2011

أزمة المبدعين


تفتح الباب بعناء ،وتسلم على الأهل برفق .. وتتابع المسير نحو كهفها المتواضع ، بضع دقائق،تسلم على والدتها التي لا تراها في اليوم الا في الأوقات بدل الضائعة من يومها المزدحم.. تناشدها المشاغل ،فتضطر الى الانعزال الى ذلك الكهف ...لتستطيع تدارك ما عليها من واجبات يومية !

طويل ذلك اليوم،بمهامه ومتاعبه ولقاءاته،13 ساعة من الحركة والتنقل،من مكان لآخر ،استشارات طويلة متعدده لمتخصصين،وكل منهم يدلّها على آخر ، لتستطيع أن تقدّم جديداً في" بحثها" الجديد...وضع ان شئت ألف خط تحت "بحثها" !!

الحكاية بدأت ،عندما حدثها أحد أساتذتها،ومن تعجب حقيقة بطريقة تفكيره وادائه الفكري النهضوي ، وتستفيد منه في أصعدة مختلفة..يطلب منها ولأول مرة أن تساعده في بحث جديد يريد تقديمه، تراها فرصة بعرض الأفق لديها.. ولكن ......

هل هذا مجالها؟؟ وما أولوية هذا الموضوع في مخطط حياتها؟؟ بنشوة .. "طبعاً اساعدك أستاذي :) "


تبدا بالتجهيز، والتفكير ،والتخطيط، تنطلق لاستشارات مطولة، فيذكر لها أحدهم "ويكأنني اشعر أن طالب رسالة دكتوراه أمامي !! "
ثم تصتدم للمرة الأولى مع ذاتها.. " بس انتي شو دخلك بهالموضوع ؟؟  لم أكن أعلم أنه من اهتماماتك !! "...
هو ليس من اهتماماتها بالفعل !! وقفة عنيفة أمام نفسها، عندما تتساءل .. " ما الذي يدفعني ان أنشغل بمثل هذا الأمر؟؟ الخارج عن اطار اهتماماتي ،وما فرضته على نفسي من أولويات ؟؟!! "

تؤجل التفكير قليلاً ، وتنطلق مجددا لاستكمال البحث والتخطيط والمقابلات والاستشارات...
لحظة !! هناك الكثير من المهام المرتبطه بأولوياتها..لم تستكملها بعد !! كلً ما أخشاه،أن تتناقص كفاءتها في العمل ..

أنهكت.. وبلغ الجهْد منها مبلغاً كبيراً .. فهذا نموذج ولكن ما تفعله أكثر من ذلك، وبنفس الشاكلة !!



أتساءل ، هل يغدو الابداع نهْباً ؟؟ أم هل يصبح تعدد المهارات، وسعة الموهبة نقمة ؟؟!!
ما الذي يجعل الشاب النهضوي المميز ،يقف أمام نفسه.. ليحاسب نفسه على كثرة المسارات التي يسلكها في حياته،ولربما لاتساع اطار موهبته وقدراته وابداعاته، يستطيع مؤقتاً الانجاز ، ومتابعة الطريق .. ولكن الى اي مرحلة سيستطيع الصمود؟؟

اقف حائرة أمامها.. وهي تقدّم بحثاً في كذا .. وتدرس كذا ، وتقرأ في كذا ،وتكتب في كذا، وتجتهد في نشاط كذا ، وتحاضر في كذا ، وتعتبر مستشارة عند الناس في كذا... جميل ورائع للغاية.. ولكن الى متى ؟؟؟

تميزت في بداية طريقها في الالقاء ، فيطرح عليها مشروع محاضرة في التاريخ، فتوافق مباشرة دون أدنى تخطيط، فهي الفرصة الأولى لها في هذا المجال ... قليل من الوقت ذلك الذي احتاجته ،حتى دخلت في هذا الغمار ، واحفظ عندك .. الآن هي "تحب " هذا المجال ،وتريد التخصص فيه !

ابداعها في الالقاء ،جعلها تُستجلب الى نطاق التاريخ، فتتعلم منهجية البحث العلمي ، تقدّم شيئا مبسطاً للغاية في هذا المجال ،فتجد أحد اساتذتها ،يريد أن يستثمر هذا الابداع في بحث يريد ان يقوم به ، وهو مجال تربوي !!
فتوافق تارة أخرى ، على اعتبار أنها فرصة جديدة ،لا يمكن أن تعوض .. قليل من الوقت أيضاً ،وها هي تتوغل في هذا الاطار، وسجّل عندك تارة أخرى .. " أضحت تحب هذا المجال ! " ..


ابداعها مجدداً وصرف همتها جعلها تنتقل تدريجياً من الالقاء الى التاريخ الى التربية وفنون التعليم ! محاضرة بسيطة في المجال التربوي ، يجعل أحد المراكز يهاتفها ، ويطلب منها عمل دورة مصغّرة أيضاً في هذا المجال ، فتجدها توافق تارة أخرى ! وتجتهد مجددا أن تقدم شيئا مميزاً ، تعود لتستشير اساتذتها في مجال التنمية البشرية ، فيقومون بتقديم أجندة صغيرة لمثل هذه المحاضرات ! تقدّم الدورة ، وينبهر من حولها !!..............................

" سمعتُ أنّ لديك ذوقاً جميلاً في مجال التصوير ،شو رايك تكوني ..... ؟ " ... " ذكرت لي صديقتي ، أن باستطاعتك الاشراف على لجنة المكتب الاعلامي في الجامعة فما رايك ..... ؟ "

" قالت لي أختي أنه قد سبق لك البحث في هذا الموضوع... ممكن تساعديني ؟؟؟ "
"الاستاذ فلان يطلب استخدامك في المشروع التكنولوجي الجديد للمركز .. بنستناكِ في ذلك الموعد !! "
"ما شاء الله عليكِ ، بدنا ادرسيلنا طالبات بحاجة تفهميهم هاي المادة !! ، متى بناسبك ؟ "
"أنتِ من الشخصيات التي لا بد ان تقرأ في مجال..... ، انجاز بسيط .............. لازم تعطينا دورة ! "


....
....
...
...


 حاضر.. !
ما عندي مشكلة .. !
ولو ... بسيطة !
انا بحب هاي الاشياء ... !
أشعر أنها ستطور من مهارتي ... !

الأزمة ليست في العطاء وكمّه ... وإنما في تركيزه ونوعيته وكفاءته !
مشكلة يعاني منها الكثير من الشباب النهضوي ، في ازدحام المهمات الملقاة على عاتقه ، ولكن في غمار هذا الازدحام ،فإنه يفقد التركيز ، وهذا يودي به بالضرورة ، الى ان يستطيع "تحصيل شيء عن كل شيء ... " دون أن يستكمل " وكل شيء عن شيء ! "

أزمة التخصصية لدى شباب أمتنا _المبدع ،والملهم _ مشكلة كبيرة، قد يحب الواحد فينا أكثر من شيء ،ويتقن أكثر من مهارة ، ولكن انجازه سيتضاعف بما لا يقل عن 5 اضعاف إذا _ تخصّص _في مجال معين !

لم تنتج أزمة التخصصية الا عن طريق أزمة في ترتيب الأولويات ، والتفريق ،بين الهواية ، والمهارة ،والرغبة ! 
بالاضافة الى _نهْب الابداع _ الذي يستخدمه الناس ،في استثمار أكبر كم من طاقات الفرد .. وتطبيق قاعدة ... " حمّل الفرد وما عليك بالباقي " .. نلقي الكثير من المهمات على عاتق شبابنا ، وننسى أو نتناسى ، مسؤوليته امام بناء نفسه.. ليكتشف بعد مضي الكثير من الوقت ، أن تميزه في شيء معين ، وسعيه لإضافة الجديد ... ضرب من خيال !



فإضافة بسيطة يقدّمها ، بوجود _ناهبي الابداع _ يصرفه عن سعيه في تحقيق المزيد، ورفع كفاءة وفعالية الانجاز الذي يقدمه ! هذا لا ينفكّ عن اعتقاده ان كل ما ياتيه فرصه ، ولا يجب أن يفقدها ! ، وقد لا يدري أنه أضاع الكثير من الفرص ،على المستوى الأبعد ،حينما بدّل الانتشار المعرفي العمودي ،بالافقي .. 

وأحدهما لا يغني عن الآخر بوجة نظري،وهذا ما نحتاجه كما تقول القاعدة .. "شيء عن كل شيء + كل شيء عن شيء ! " وهذا لازم بالضرورة ..

أزمة التخصصية ،بدات تتسع على مستوى ما أرى لحد اللحظة ! وأسعى جاهدة ،لايجاد حل ،قبل أن يمضي العمر ، فتجد الحياة بدت على "شفا حفرة !" ..


فإن كان لديكم تفسير .. تحليل .. أو فكرة إبداعية ، فأدركونا بها .. فكلنا في هذا السباق ،لا نبتعد عن الوقوف بجدية أمام مثل هذه المشاكل التي تقع بين الفرد وذاته ، ليصل لمرحلة ،لا يعرف فيها من هو ، فيتعجب من تصرفاته ،أفكاره بعد انقضاء فترة من الوقت ..
ولا يصحو ، والا وقد تفاقمت الفجوة بينه وبين ذاته ، وإمكانياته ،وقدراته ! ....

هي دعوة ، للم شمل النفوس على النفوس .. والقلوب على القلوب..و العقول على العقول ...
بانتظار إضافاتكم !

صفاء الزغول
13-4-2011

الخميس، 7 أبريل 2011

أعد إليّ روحي

تعود لتخطف مني ذاتي ،بنفس الطريقة كل مرة ،ويكأنها خلقت لتسلب عني روحي..أعلم أن كل حيّ هو شيء في هذه الحياة،أعطيها على شرطها هي، تموج بنا بكل جبروتها، بكل تعنتها.. حيث لا ندري،ونحن بهواها سائرون !


أمشي على الدنيا ، وفي الخطى ارتباكات اليوم والليلة..أفكر حيث لا مجال للتفكير،ابني على الآمال ،وأشيد صروحاً من خيالاتي وأحلامي.. وتبقى هي هي .. إذ تسلب مني روحي مجدداً..


وما أعجب مثل عجبي ،حين أسمع تمتماتهم .. "ما شاء الله عليها ،رائعة ! " ، " لا أدري أين سنجد مثلها ؟؟ " تغرهم كتلٌ من صور باهته، تحاول ترانيم الكلام أن تجمّل بعضاً من زواياها المرهقة ، لا أقول ترهق الجسد ..وإنما تستنفذ الورد القليل الذي تملكه من روحها ...


 كلما تذكرت أيام خيالها المشبوب ،الذي يلقي في كل شيء لمعان النور وانطفاءاته..حيث ترى الدنيا في خيالها ،كالسماء التي ألبسها الليل عقوداً من نجوم..حتى تدرك أن استجلاب الأحلام واقعاً، بعض من فنونها..
فما ترى حالها حين تفقد تلك الروح ؟؟ وكيف ترى النفس فيها ،وهي ثكلى.. تصيّرها كواحة صغيرة في الصحراء القاحلة ،تنتظر أصحاب القلوب الرضية ..علّهم يحملون اليها بعضاً مما يملكون !!


تتبعثر الدنيا مجدداً،وتغرق في بحر..لا كالبحور، بحرٌ يتدفق باتجاه واحد، يذهب بلا عودة .. مسكينة..احترفت التعليم دون أن تذوق لذة الورود على معلّم ..جميل هو العطاء بكل معانيه ..ولكن الحواس منا تعجز عن ادراك الغايات ،فالصوت إذا ما اشتد يصم الأسماع !!
والنور إذا ما اشتد لمعانه ،يغشي الابصار !! والقرب يمنعنا من الرؤية ،كما يمنعنا البعد !فتكاد غايات الاشياء لديها صعبة الادراك !


نعم،وبقوة..تحتاج الى خضر موسى ..أو شيخ الحيران بن الأضعف !! أراها تشتاقه كل يوم، أكثر من اليوم الذي سبقه.. وأمام نافذتها الصغيرة ..ها هي تعاود الوقوف مجدداً ، علّ نسمة عليلة من نسماته تراودها،وتطرق تلك النافذة .. لا تزال تحيا على الانتظار، أو أنها تنتظر الحياة.. الخيارين لديها واحد..


بلغت الجهْد... وأعياها الانتظار، ولا تزال تقف أمام تلك النافذة، فإن أردت الوصف ،بلغت الدقة إذ تقول "انه وقوف الفلاسفة أمام السماء ! "



في انقضاءات الوقت هنا، تجدها تقطع أرضاً يباباً.. بحجم فؤادها.. إذ تنتظر حكمة تؤتاها، أو حكيماً تطيل المكوث ببابه كما البحر لا تستطيع ادراك شواطئه البعيدة ، فترى تدفقاً كأنهار الجنة عليها..حباً وتحناناً وحكمة !
تتسع النافذة سنتيمترات قليلة ، ويطلّ نور كثيف، وينقشع ذلك الظلام العابر..فتجد سر اليقين ،وتفهم معنى الوجود، وتدرك لغز التيه..وتتفن في انتزاع الألم !


فتتحرك المعاني ،وتغازل السطور ..وتعلو عن أمانيها،وتغيب عن الأوهام ..حين تسمو في ذلك الأفق البعيد،وتذوب الروح منها شغفاً بذلك اللقاء المهيب.. حب يغمر الحياة،ويطلّ على همومها،إطلال المغفرة على الآثام !!


ويغيب الوهم والضياع وألم الفؤاد،كمغيب السحر حين الفجر..أو تراها حين الغروب تنادي .. "خذوني الى لغتي معكم.. وأولجوا علي نفسي..وعلموني دمج المعاني بالروح برفق، حيث استطيع أن آوي إليّ "..



وقد فعلتها...


فهاهي..كرائحة الورد تغري النفس وأزكى..اشراقات تدغدغ صمت القلوب فتنفعل..وتنفجر العيون،وترسم الذات وتحكي،قصة الفراق واللقاء ..


هنا تعود إليّ روحي، تأتي وتصافح كفيّ بشغف..تأتيني فأنسى بوجودها الزمان ..ويستريح المكان في راحتينا..ترد مركبي إلى مرفأها،رغم ضيق المسارات اليه!!


تعود إليّ بعد أن وقفت أعلن إفلاسي على بابه..وحروفي حبري تتبعثر،حين اسوق حديثي إليه سبحانه ..حين اسلم نفسي إليه ..ترتد عليّ خاضعة..بانحناءاتها المعتادة..أمام عظمته ولطفه وجبروته !! هو الذي يسمع همهمات القلب ،وهو الذي يأتيني هرولة إن أنا يوماً إليه مشيت !!


رباه..أعد إلي روحي..فما عدت أطيق الفراق..ولمّ عليّ شملي..واجمعني بذاتي.. وأسقني شراب الرضا،وصدق اللجوء نحو بابك..
فباب من أبتغي علماً وحكمة وفهما..وأنت خير العالمين ..آتني الحكمة.. وفصل الخطاب.. إلهي ....











صفاء الزغول
7-4-2011

السبت، 2 أبريل 2011

نرفع المعايير


لا يزال السؤال يراودني منذ ما يقرب من خمس سنوات،منذ ان قررت تكوين وعي خاص بي ،ورأي يتمرد على نمطية تفكير من حولي ، حيث يجرى استنساخ الأفكار..إما بالإجبار تارة، أو بالإحراج تارة أخرى ،فلا تستطيع الحصول على تفكير جديد ،أو حتى صياغة جديدة للتفكير ذاته، وإنما هو استنساخ محض ..! 

ها هو يحاول الإمساك بقلمه ليكتب ، فيحضر عدته ،من قرطاس وقلم ، وكثير من الكتب والمقالات، ويجلس برباطة جأش أمام مكتبه ، فيفتح الكتاب الأول ، فالمقال الثاني ، ويستشف القليل القليل من الرغبة والفكرة التي أراد أن يكتب بها ،بضع دقائق ،فتجد المقال ينتشر ،وبقوة، وتجد المصفقين لكل منتصر وغالب ،يحوطونه عن يمينه وشماله ، وعيدون التصفيق له .. "أبدعت " ،" وااااااااو ، خطيير !! " ، " ذكاؤك خارق ! ".. الخ ..



قد يصدقون القول حيناً .. فهو مبدع لأنهم نمطيون ، وذكي لأنهم جاهلون.. لا أكثر من ذلك !

كثيرا ما نكتشف أن تميز الكثيرين نابع من الضعف فينا، فتجد ذاك يتألق في إعطاء الدورات والمحاضرات واستلام المناقب،وبعد حين تكتشف أن كل ما كان يقوله مسطّر جاهز في الكتب ،والمقالات، وما كان عمله سوى النقل المحض ، يكرر صياغة المعطى ،ولا يقدّم جديداً ...

وكم زاد ذلك مكتباتنا نسخاً على نسخ !! فإبداع البصمة الذاتية بدى نادراً أو أشد!! وعليه ، لا بد أن نرفع المعايير ،ونغلّي الأسعار ،في الحكم والأخذ والاستجلاب ، فقد كثر الاستنساخ ،في الفترة التي تزدحم فيها معطيات الساحة الفكرية والثقافية .. 

لا أقول ذلك في مجال التأليف وحسب ،وانما في كثير من الساحات ، فترى الناس يطالبون بخلق الوعي ،بينما هم لا يعون أن يستنسخونه لا أكثر !! _أستثني من ذلك من يستخدم التجارب السابقة لخلق الجديد _

رفع المعايير تارة أخرى على المستوى الشخصي ،والانتقال الى الوسط الجماعي في تشكيل الوعي المجتمعي الخلّاق والمبدع يكون بالسؤال قبل فعل أي شيء.. ما الجديد الذي أقدمه ؟؟  حتى نصل لمرحلة ،أنني كلما أقرا هذا المنتج،فهو يضيف لي الجديد بقراءته !!
وهذا ما يلزمنا مع الأزمات الفكرية في الوقت الحاضر ..وما ذلك الا لرفع الكفاءة في التفكير والانتاج ،والانتقال ابداعيا الى مراحل التطور الحضاري المختلفة

وعلى الله قصد السبيل ..

صفاء الزغول
2-4-2011

الجمعة، 1 أبريل 2011

الفلسفة ،وقصة الايمان



أرفع الشراع مجدداً، أحزم أمتعتي..وأحمل المرفأ بين جنبني، فقد لا أجد مرفأً أحط رحلي فيه ،مع هذه الرحلة الطويلة !!
تنهدات عميقة، وأخشى أن يقتلني الخوف ،في رحلة البحث عن الحقيقة،يتراءى لي البحر هذه المرة ،ويكأنه يخدع الناس، فيبدو جهنماً تبرّد معانيها لا أكثر !!


تمتد خطاي نحو ذلك الزورق الصغير،ولا مجال للرجوع ،الرمال حولي ترتعش بذلك الهواء الي يخطف الطمأنينة من كل شيء،حتى من ذاتها...وها أنا أنطلق!!

وسط بحرٍ يشتد نزق الظلام فيه،كلما عبرت امتداداته.. بحرٌ هو عقل شريعة الطبيعة إن بسطت الوصف اليه،وكم من عقول ترتخي ،وتخجل حين الابحار فيه..! يتهاوى أمام خيالاته ذكاء الشعراء، ويضيق أمام ذكاءه فطنة الحكماء،وأصحاب المنطق والعقل الرصين..
أتغافل كثيراً ،ولكن طال ذلك مني ،بل وشقّ علي ،ويكأنني أصغر بحجم اتساعه،أرهقني حتى بلغت الخضوع !!

قد يتنكس العقل في انتكاساته،ويستحي أمام عجزه عن عظم ذلك الإدراك،غير أن بقية اليقين هي التي تشرق بين ضلوعي ،تعينني على الاتزان مجدداً ..
وتغشّاني الضيق... وقد ضاق المسار حتى اختنقت،هنا تدخلني بعض الاشراقات برقّة ،أراني ابتسم وحولي العقول عابسة ،أهدأ وبين يدي غضب الأمواج وقسوتها..
نعم، لقد احتجت لذلك اليقين قبل العقل ومكنوناته، وكنت قد ارتضيت من قبل أن أكون عروساً للعقل ، فليجرِ عليّ نفقتي ، وليصوّر لي كيف فكرت ؟؟ وكيف أوثقت عرى قلبي ،وكيف جادلت من حولي ؟؟!!



هي ذاتها ،لا يمكن أن تصف رحلتك معها بخلاف ذلك ، ففي اللاشيء ترى هناك الأشياء كثيرة !! وحيث اللاوجود تراى مستقرها ومستودعها .. بحرٌ..لا كالبحور ،تجد الزيغ والهلاك في شطآنها ،وتجد الايمان والأمان في لججها وأعماقها..

كذا هي رحلتي مع "قصة الايمان" وأراى (نديم الجسر )يروي به نظرية الانسان ، هي رحلتي الأولى من نوعها، أقف كالذاهلة أمام سطو الكلمات ،أبعثرها حيناً بعد حين ،علني أفلح في ترتيبها ،وإعادة صياغتها ، وأحاول لمّ شتاتي فيها !!

يتحدث بعمق العمق عن اثبات الوجود،بأدلة الحدودث والوجوب ، وما أكثر المجتهدين هناك ..

وهناك ،ترى كم من المساكين الذين يقعون في شَرَك الابتداء بالتفكير السليم،والانتهاء بالخيال العقيم.. فمن الضروري كما جربت، امتلاك ما يكفي من الخيال ،يرافقه الوعي ،في هذه البحار العميقة ،لأن امتلاك القدر الكافي منهما ،يعينك على الاحساس بالنهاية التي ترنو الى الصيرورة اليها، وإن من شأن الخيال أن يمكننا من تصور عوالم من الامتدادت والامكانات ،قد لا يكون لها بين الوجود مكان أصلاً.. ولكن من شأن الوعي استجلاب اليقين .. ثم تمكيننا من الاتصال بالقوانين والمبادئ العامة ، التي تساعدنا على ارتياد عوالم الافتراضات ،والاسئلة واللاإجابات ..



حاولت أن أتقمّص دور كثير من الفلاسفة في التفكير،واجتهدت في ذلك ..ولكن يبقى العقل قاصراً عن إدراك مولاه وبلوغ المعرفة الدقيقة فيه ، وحتى لو افترضت ان الانسان يقول في وصف الله الحق كل الحق ، وقد يبلغ من الصدق منزلة كبرى.. لا أحسب أنه سيعلم أنه يقول الحق حينئذ..

تمر أمامي آيات القرآن الكريم وحثّ المولى الحكيم على التفكّر والتدبر ، ولكن تطرق كل آية لدي .. "ان في ذلك لآيات للموقنين " اليقين شرط !
"ذلكم الله ربكم لا اله الا هو ،خالق كل شي فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل ..لا تدركه الأبصار !! " والأبصار تشمل العقول وتدبرها...

"ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله..إن الله عزيز حكيم .. "
"تعلم ما في نفسي ،ولا أعلم ما في نفسك !"

"وما يتذكر الا من ينيب .."
لا يمكن أن نسير في غمار العوالم الغامضة إذا لم نُعمِل الفلسفة في مكانها السليم ، والفلسفة في روحها شاملة،وتعلِّم الشمول..
أما أولى فقرات ترحالي في الفلسفة ..فقد خلصت إلى أن اليقين هنا دواء .. فالفلسفة تعلم الشمول ، لكنها لا تمنحنا الدقة،ولا تسعف القلوب باليقين ..
وكذا العلم والتجريب .. يوقفنا على جملة من الخبرات الجزئية الدقيقة ،لكنه ينفر من التعامل غير المجرّب أو الملموس.. ويبقى يفتقر الى اليقين أيضاً..




رحلتي لا تزال في أولها .. ولكنني أبتغي سلامة الوصول ، لا سلامة جسدي ،ولكن سلامة قلبي وفكري، ومن عنده بعض من الزاد ،فليدركني به ...



صفاء الزغول
1-4-2011

ولتصنع على عيني

صورتي
عالمٌ كبير ذلك الذي أبحرت إليه.. على غير هدى من الله ولا برهان.. من اليمّ إلى الساحل .. بتابوت السؤال ! واشتهت نبوّةً .. لتذوق جمال اليقين ..ولتقرّ عين أمتها فيها ولا تحزن ! حتى استجلبت ذلك الطور الخفيّ .. وصاغتها ... " ولتُصنع على عيني " العصا في يدها هشّةٌ مهترئة.. وأغنامها تبعثرت عند نفخة حياتها الأولى .. " ربااه .. عجّل بي لرضاك.. فلي مآرب عجِلة .. وأتِ بي على قَدّر ..فقد صنعت نفسي لك وحدك ! "